في حفْلة
عبد الكريم النّاعم
لم يُقبَل اعتذاري لأحد الأصدقاء عن حضور مناسبة لا تخلو من البهجة، فجاء مَن أخذني، واختار لي هذا الصديق أن أكون مع عدد من الأصدقاء والمعارف، ممّن يقاربونني في السنّ، أو أصغر بقليل، ومن المريح أنّه لم يكن ثمّة صخب مجنون، كما عوّدنا أصحاب “الهشّك بشّك”، بل كان الجوّ هادئاً، تنساب في أرجائه موسيقى ناعمة، ولم أستغرب ذلك من الداعي فهو صاحب ذوق رفيع، دون مقدّمات انطلق الحديث:
قال الأوّل: لا أكتمكم أنّني أُصبت بما يُشبه الانهيار النفسي حين اغتال الصهاينة سيد شهداء المقاومة السيد حسن نصر الله، وتابع ذلك باغتيالات مُرعبة لقيادات من مختلف الصفوف المتقدّمة في حزب الله، ودُهشنا من معرفة العدو بأماكن وتحرّكات قادة المقاومة، .. دُهشنا رغم علْمنا بأنّ أجهزة أمريكا والأطلسي، في البر والبحر والفضاء، كلّها موضوعة في خدمة تل أبيب، نعرف ذلك، ولكنّ معرفتنا لا تُلغي أنّنا أُصبنا في مكان حساس يكاد يُفقِد التوازن، بيد أنّ ذلك، والحمد لله لم يطل، فلم تمض أيام حتى أصبحت الصدمة وراء مَن تقدّم لاستلام مهامه في القيادة، وهذا يدلّ على دقّة التنظيم، ووضع الاحتمالات، فإذا نحن بعد أيام نرى العدو وقد فقَد صوابه، لأنّه اعتقد أنّها القاضية، كما بدا أنّه في مأزق لا يخصّه وحده، بل يشمل أهمّ مناصريه، المعروفين، والذين يظنّون أنّهم غير مكشوفين.
قاطعه الثاني: اسمح لي قليلاً بالمشاركة، أنا شخصيّاً، لم أشعر بنشوة تشبه نشوة استعادة المقاومة توازنها.. إلاّ أيام حرب تشرين التحريرية، وقد كنتُ مقاتلاً فيها، تلك الحرب التي خانها السادات، فكان ما كان، ولا أغالي إذا قلت لكم أنّني كنتُ أحسّ طعم المرار والانكسار، حتى كدتُ أيأس، وأحسستُ أنني مهزوم، لا أعرف طعماً للنوم، ولا لذّة للقمة لا بدّ منها، ويزيد في قهري شماتة الشامتين من أناس فرّخ إبليس في صدورهم فلم يعودوا يميّزون بين واجب وطني وديني، و بين أحقاد سوداء، ومفاهيم دون وطنيّة، زرع بذورها أناس أشدّ سواداً من ضمائرهم، عبر أزمنة شديدة البؤس، والانغلاق وتعطيل العقل، وهؤلاء لا يقلّ خطرهم عن خطر العدوّ، بل هم أشدّ ضرراً وإضراراً.
قاطعه الثالث بأدب وقال : لا تؤاخذني، أنا أشارككما ببعض ما قلتماه، وربّما، أقول ربّما كانت لي رؤية أرجو أن تكون صحيحة، أنا أرى أنّ المعركة بدأت الآن أشدّ سعيراً، فالعدوّ الذي نواجه،.. ونحن متّفقون على أنّنا نحارب “إسرائيل” وأمريكا وحكّام الحلف الأطلسي، وما أظنّ أنّهم سيسلّمون بالهزيمة إن استطاعوا، ولذا فسوف يستنفرون كلّ قواهم، وأعوانهم من أهل المنطقة، لأنّ الدائرة الفعليّة تشملهم جميعاً، بل هي مفصَل تاريخي في تاريخ العالَم، وهم متكالبون ، ولا يريدون أن يخسروا قاعدتهم العسكريّة “إسرائيل”، ولا أن يُهزَم أعوانهم، ولا أرى أنّ ثمّة مخرَجاً سياسيّاً يحفظ لنا كرامتنا، والحلّ السياسي الوحيد الذي يقبل به حلف الصهاينة هو أن نوقّع على اتفاقيّات ذليلة، هي أذلّ من كامب ديفيد، وأوسلو، وتكون هاتان الاتفاقيتان عتبة لما هو أبعد، وأشدّ خطورة.
من طاولة مجاورة، يبدو أنّ أحد جالسيها كان يتابعنا، قال دون استئذان:” ها هم جرّفوا غزّة بحيث أصبحت أرضاً محروقة، وباشروا بتجريف جنوب لبنان، وسيمضون بالتجريف ما داموا قادرين، وإذا لم يُردعوا بضربات لا توفّر في الأرض المحتلّة شيئاً، كما يفعلون.. فأعتقد أنّ الأمر سيكون أكثر خطورة..
قال له الأوّل: ” شكراً لاهتمامك، وأنا أشاركك الرأي”، والتفت إليّ وقال:” أنت لم تقل ولا كلمة”
قلت:” أنا كلّ ما قيل”…
aaalnaem@gmail.com