قراءات في ديوان أنيسة عبود “أحبّك بتوقيت قلبي”
اللاذقية- آلاء حبيب
أقام فرع اتّحاد الكتّاب العرب في اللاذقية، ندوةً أدبيةً للمجموعة الشّعرية “أحبّك بتوقيت قلبي” للشاعرة أنيسة عبود، بمشاركة نخبة من الأدباء الذين سلّطوا الضوء على جماليات العمل، من خلال قراءات معمّقة وتحليلات متعدّدة، وتضمّنت الندوة مداخلات من شخصيات أدبية بارزة، قدّمت رؤى جديدة حول أسلوب الشاعرة ومواضيع ديوانها، ما أتاح للحاضرين فرصة استكشاف أبعاد إبداعية غير مسبوقة في شعر أنيسة عبود.
وافتتح الدكتور عيسى درويش الندوة بقراءة متأنيّة للمجموعة، مضيئاً على أسلوب الشّاعرة في الكتابة، وتوظيفها لعناصر مختلفة من اللّغة، بما في ذلك إدخال كلمات من العاميّة في قصائدها، موضحاً أن هذا الأسلوب أضاف للنصوص بعداً جمالياً خاصاً، حيث تمتزج الكلمات البسيطة بعمق المعاني، ما يعزّز الإحساس بالتواصل بين الشاعرة وقارئها، كما تناول موضوعات أخرى في الديوان، مثل نظرة الشاعرة إلى الرجل في قصائدها، وظهور الجديّة والحزم أحياناً، والحزن والسّخرية أحياناً أخرى، وتوقّف عند كيفية تصوير الحزن في قصائد أنيسة، وكيف شبّهت الحزن مرة بالسوار الذي يزين اليد ومرة أخرى بالحذاء وما يعكسه ذلك من عمقٍ في المعنى، وفي هذا السّياق أشاد درويش بالقدرة الفنيّة للشاعرة، في التّعبير عن هذه المشاعر بوسائل رمزيّة متنوعة، معداً أنّ هذه الاستخدامات في القصائد تعكس ثراء دلالياً يستدعي التّأمل.
من جانبها، قدّمت الدكتورة لطفية برهم مداخلةً تحت عنوان “الصوت والصدى”، ركّزت فيها على العمق الفلسفي في نصوص أنيسة عبود، مشيرةً إلى أنّ المجموعة لا تكتفي بتقديم الشعر كفنٍّ لغوي فحسب، بل تتجاوز ذلك لتصبح وسيلةً لاكتشاف الوجود ومعايشته، وأوضحت أنّ قصائد الشاعرة تتمتّع بخيالٍ واسعٍ، يحرّر النّص من قيوده اللّغوية، ليحلق في عوالم فكرية أعمق، معدّة أنّ صوت الشاعرة في هذا الديوان، يتجاوز النّص التقليدي ليصبح صدىً لذاتها وأفكارها، كما أشارت إلى مصادر الإلهام لدى الشاعرة، مسلّطة الضوء على تأثرها بالتّراث الأدبي العربي، ولاسيما بشعراء كبار مثل المتنبي وأبي فراس الحمداني. وأشارت إلى كيفية امتزاج صوت أنيسة عبود الخاص مع أصوات هؤلاء الشعراء التراثيّين، ما أضاف للقصائد بعداً إبداعياً وجعلها تتداخل مع أنماط شعرية متعدّدة.
أما الدكتورة ليلى المغرقوني فاختارت التّركيز على “نغمة الحزن في المجموعة الشعرية”، مشيرةً إلى أنّ الحزن في ديوان أنيسة عبود يتخذ أشكالاً مختلفةً، من الحزن الرومانسي إلى الحزن النّاضج، وفسّرت أنّ هذا الحزن ليس مجرد شعور سطحي، بل ينبع من تجربة الشاعرة العميقة في مواجهة العالم وتحولاته، ووصفت الحزن بأنّه يتجاوز الحزن البسيط الذي يحياه عامة الناس، ليصبح انعكاساً للذات الشعرية وكيفية مواجهتها، للتّحولات القائمة في المجتمع، كما تناولت تأثير هذه التّحولات على الشّاعر الحديث، مشيرةً إلى أنّ العديد من الشعراء يعبّرون عن استيائهم من تبدل القيم الأخلاقية وتراجعها أمام القيم الاستهلاكية، ما يعمّق شعورهم بالعزلة ويزيد من تأملهم الذاتي.
في ختام الندوة، شكر الأديب ممدوح لايقة، رئيس فرع اتّحاد الكتّاب العرب في اللاذقية، المحاضرين والمشاركين على قراءاتهم العميقة وتناولهم المتنوع للمجموعة الشعرية، وأكّد أنّ الشواهد والتحليلات التي قُدّمت خلال الندوة، منحت الحاضرين فهماً شاملاً ووافياً للديوان، ما يعكس أهميّة هذا العمل الشعري في المشهد الأدبي المعاصر.
كما عبّرت الشاعرة أنيسة عبود عن امتنانها للقراءات التي قدّمها الأدباء، مشيرةً إلى أنّ التّحليلات التي سمعتها لم تكتف بملامسة سطح النصوص، بل توغّلت في أعماقها، لتكشف عن جوانب عديدة، وأكّدت أنّ هذه القراءات أضافت لها وحملتها في ذاكرتها وعزّزت التّأمل الأدبي.
واختتمت الندوة بمداخلات إضافية من الحضور، حيث دار نقاش مثمر حول الموضوع الذي طرحته الندوة، ما أضفى على الحدث بعداً تفاعلياً غنيّاً، جعل من هذه الندوة احتفاءً حقيقياً بالشّعر والإبداع.