الولايات المتحدة و”إسرائيل” شركاء في جرائم غزة
عناية ناصر
ترتكب “إسرائيل” منذ إنشائها غير القانوني في عام 1948، عمليات قتل وتطهير عرقي، وحتى إبادة جماعية في فلسطين، وهي تحتفظ بأكبر معسكر اعتقال مفتوح في العالم في الضفة الغربية حيث يُعامل الفلسطينيون بأسوأ معاملة.
كانت أمريكا أول دولة تعترف بالكيان الإسرائيلي، حيث بدأت على الفور في مساعدة “إسرائيل” ودعمها، والسبب هو اعتماد الولايات المتحدة آنذاك على إمدادات النفط القادمة من دول الخليج والعراق. وخوفاً على تعرض إمداداتها للخطر في حال قيام حدوث توترات أو فوضى في تلك الدول، فعندئذ سيكون وجود ” إسرائيل” مفيد جداً كفزاعة للولايات المتحدة. في السياق بدأت مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية والاقتصادية تتدفق إلى “إسرائيل”، وبإعادة ترديد عبارة نعوم تشومسكي، أصبحت “إسرائيل.. حاملة الطائرات” الأمريكية في الشرق الأوسط.
قامت الولايات المتحدة بتقديم أكثر من 260 مليار دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية لـ”إسرائيل” منذ الحرب العالمية الثانية، وفقاً لـموقع “يو إس نيوز”. بالإضافة إلى ذلك، أنفقت أمريكا 10 مليارات دولار أخرى على أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية مثل القبة الحديدية، وبذلك كانت” إسرائيل” أكبر متلق للمساعدات الأمريكية لعقود من الزمان.
لقد تسبب عدوان “إسرائيل” الهمجي المستمر على الفلسطينيين في استشهاد أكثر من مائة ألف رجل وامرأة وطفل فلسطيني، والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه، كيف تفلت” إسرائيل” من العقاب على مثل هذا السلوك الإجرامي؟ والإجابة على ذلك واضحة وتتجلى في وقوف ودعم الولايات المتحدة ومساندتها المستمرة لـ”إسرائيل”.
تتظاهر الولايات المتحدة في الحرب الحالية في غزة، بأنها تحث
“إسرائيل” على التفاوض لإنهاء هذه الحرب، بينما تقدم في الوقت نفسه مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية لـ”إسرائيل”، كما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد كل قرار في الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار.
الفيتو لحماية “إسرائيل”
لقد استخدمت الولايات المتحدة الفيتو الأمريكي لحماية “إسرائيل” في الأمم المتحدة، فمنذ عام 1972، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن 53 مرة لحماية “إسرائيل” وأنشطتها الإجرامية، ونتيجة لذلك مكّن الدعم الأمريكي القوي لـ “إسرائيل “من إحباط القرارات التي تدين العنف ضد المتظاهرين ومستوطناتها في الأراضي المحتلة، وهجماتها العديدة في غزة، وحربها الحالية الوحشية، واستهداف أكثر من 42400 رجل وامرأة وطفل في غزة.
تزعم الولايات المتحدة أنها المدافع عن حقوق الإنسان، لكن الأمر المثير للسخرية هو أن” إسرائيل” تفلت من العقاب على كل هذه الأنشطة الإجرامية بدعم عسكري واقتصادي ودبلوماسي كامل من الولايات المتحدة.
سياسة وواشنطن تصنع في “إسرائيل”
يتم وضع السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط في “تل أبيب”، وذلك بفضل لجنة “الإيباك”، واللوبي الإسرائيلي، والمليارديرات من اليهود اليمينيين وأصحاب الأموال الضخمة في أمريكا.
وهناك أدلة واضحة على أن حرب العراق الكارثية التي خاضتها الولايات المتحدة كانت إلى حد كبير لصالح” إسرائيل، حيث كان المحافظون الجدد، أنصار” إسرائيل” المتعصبين مثل بول وولفويتز، وجون بولتون، أو عصابة ريتشارد بيرل، مستشارين لنظام بوش الابن وديك تشيني، وكان هناك هدفان للحرب غير الأخلاقية على العراق. الهدف الأول، هو مهاجمة العراق والسيطرة على موارد النفط الهائلة فيه. أما الهدف الثاني، فهو إضعاف الجيش العراقي وحكومته حتى لا يتمكن من مواجهة “إسرائيل”.
ووفقاً لموقع “أوكسفوردري”، قُتل حوالي 4400 جندي أمريكي، وجُرح 31000 بينما استشهد أكثر من مليون مدني عراقي في تلك الحرب الكارثية. ووفقاً لتقديرات مدرسة “هارفارد كينيدي”، كلفت حرب العراق أمريكا حوالي 3 تريليون دولار، حيث تنظر أمريكا إلى الشرق الأوسط من خلال منظور “إسرائيل” وليس لصالح الأمريكيين.
“الإيباك” تسيطر على الكونغرس
يفتقر المنتخبون لمجلس الشيوخ الأمريكي والكونغرس الأمريكي إلى المعرفة التاريخية، ويعانون من الغطرسة وعقدة التفوق، وإفلاس أخلاقي، وفساد شديد، كما يفتقرون أيضاً إلى ذرة من الإنسانية، وجميعهم موجودين هناك من أجل المجد الشخصي والمصلحة والشهرة، ولا يبالون بالأمريكيين الذين لا يدركون ما يجري في واشنطن، فبمجرد انتخابهم لعضوية الكونغرس الأمريكي أو مجلس الشيوخ، يظلون مشغولين بجمع الأموال لإعادة انتخابهم، وهذا فقط هو ما يدور في أذهانهم. وهنا يبرز دور لجنة العمل السياسي الأمريكية الإسرائيلية “الإيباك”، وهي جماعة الضغط الإسرائيلية الملتوية التي دمرت ما تبقى من “الديمقراطية” الأمريكية، حيث يقوم اللوبي الإسرائيلي بفرض مليون دولار أو أكثر على كل من يترشح للانتخابات لمجلس الشيوخ أو الكونغرس في حال صوت لصالح كل القرارات التي تصب في صالح “إسرائيل” أو ضد أي تشريع يضر بـ”إسرائيل”، وإذا التزم بهذه الشروط فسوف يحصل على تمويل جيد لحملاته الانتخابية، وإعادة انتخابه في المستقبل. وبالتالي فإن كل المرشحين الطامحين للرئاسة والكونغرس ومجلس الشيوخ والمرشحين الحاليين لمناصبهم الحالية يتفقون ويصوتون لصالح كل التشريعات التي تصب في صالح “إسرائيل”، ويصوتون ضد أي قرار يضر بـ”إسرائيل”. وبالتالي فإن الغالبية العظمى من أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكي مدينون للوبي الإسرائيلي الماكر،” أيباك”.
لقد كانت قوة اللوبي واضحة عندما استقبل السياسيون المنتخبون نتنياهو بتصفيق حار أثناء زيارته لواشنطن وخطابه أمام الجلسة المشتركة للكونغرس الأمريكي في تموز الماضي، حيث حصل خلال خطابه أمام هذه الجلسة المشتركة للكونغرس على 52 تصفيقاً حاراً من أعضاء أمريكا الفاسدين والجبناء. وهذا يوضح مدى جبن وافتقار الساسة المنتخبين إلى الأخلاق، حيث قاموا باستقبال نتنياهو الذي استهدف مؤخراً أكثر من 40 ألف رجل وامرأة وطفل بريء في غزة .
جماعات الضغط الأخرى
هناك جماعات ضغط أخرى لديها قدر كبير للسيطرة على السياسيين المنتخبين في أمريكا، مثل جماعات الضغط العسكرية، وجماعات الضغط لصالح شركات الأدوية الكبرى، ولجان العمل السياسي لأصحاب المليارات، وجماعات الضغط لصالح صناعة النفط، حيث تتحكم هذه الجماعات في كيفية تصويت المشرعين المنتخبين في أمريكا من خلال القوة المالية لهذه الجماعات، ولا علاقة للأخلاق أو العدالة أو رفاهة الأمريكيين بأي شيء، فهي أخر همهم.
على سبيل المثال، يصوت أغلب أعضاء الكونغرس الأمريكي على زيادة ميزانية الدفاع الأمريكية كل عام، حيث تنفق أمريكا 916 مليار دولار على ميزانية الدفاع، وهو ما يزيد عن إنفاق 9 دول مجتمعة 883 مليار دولار.
يوجد في العديد من الولايات في أمريكا صناعات مرتبطة بالدفاع توظف الآلاف من العمال، وتجلب الكثير من الإيرادات لتلك الولاية. لذا، فإن أعضاء مجلس الشيوخ والنواب من هذه الولايات مدينون بشدة لمقاولي الدفاع هؤلاء، حيث تنفق صناعات الدفاع هذه مثل “لوكهيد مارتن” و”نورثروب غرومان” “وجنرال ديناميكس” والعديد من الشركات الأخرى مليارات الدولارات لإعادة انتخاب السياسيين الأمريكيين. لذا، فإن هؤلاء القادة المنتخبين الفاسدين ينفذون أوامر أسيادهم من خلال الموافقة على مليارات الدولارات لميزانية الدفاع المتضخمة في أمريكا كل عام، على الرغم من عدم وجود “عدو” كبير في الأفق.
إن كل هذه المليارات من الدولارات تنفق على آلات القتل، حيث تقدم أمريكا 3.8 مليار دولار لـ”إسرائيل” كل عام، وقد وافق الرئيس بايدن مؤخراً على حزمة مساعدات بقيمة 17 مليار دولار كدعم إضافي لـ”إسرائيل”، بينما يعيش أكثر من 37 مليون أمريكي في حالة فقر في الدولة الأغنى في العالم.