باحثون من الجامعات يطالبون بوضع ضوابط وتشريعات صارمة لضمان عدم استخدام التقانات الحيوية لأغراض غير مشروعة
أيمن فلحوط
لم تكن ورشة “إعداد الدليل الوطني لاستخدام التقانات الحيوية في الطب والزراعة والغذاء” التي دعت لها الهيئة العامة للتقانة الحيوية، في مقرّها بكلية الهندسة الزراعية بجامعة دمشق، مجرد ورشة تقدّم فيها أوراق عمل فقط،، فالباحثون المشاركون من جامعات دمشق وتشرين والبعث وهيئة الطاقة الذرية، والهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، بالإضافة لرؤساء الأقسام في الهيئة العامة للتقانة الحيوية قدّموا أفكاراً بنّاءة، وأشاروا إلى العديد من المخاطر فيما يخصّ أخلاقيات مخابر التقانات الحيوية الطبية والحيوانية والغذائية، والتحوير الوراثي للنباتات، وكذلك أخلاقيات التقانات الصيدلانية والمناعية والجزيئية، ومخابر التنوع الحيوي، والتقانات الحيوية للنباتات الطبية، إضافة إلى أخلاقيات تقانات التخمير، مشدّدين على التمسّك بالمعايير والضوابط الصارمة، لتكون الأساس في إعداد الدليل الوطني لاستخدام التقانات الحيوية في الطب والزراعة والغذاء.
تطور متسارع
المدير العام للهيئة العامة للتقانة الحيوية الدكتور نزار عيسى لفت إلى التطور الكبير الذي شهدته التقانات الحيوية، الذي ساهم بفتح آفاق واسعة أمام التقدّم في مجالات الطب والزراعة والغذاء. وفي الوقت نفسه أثار العديد من التساؤلات الأخلاقية الجوهرية التي تتعلق بتأثير تلك التقانات على الإنسان والبيئة والمجتمع، مشيراً إلى ضرورة إيلاء الاهتمام الكبير بأخلاقيات التقانات الحيوية، لضمان استخدامها بطريقة مسؤولة وآمنة، تعود بالخير على البشرية، لجهة تحسين حياة الإنسان، من دون المساس بكرامته أو حقوقه الأساسية، داعياً إلى إيجاد ضوابط أخلاقية للبحوث الطبية، وخاصة تلك التي تدعو إلى استخدام الخلايا الجذعية، أو التعديل الجيني بهدف حماية حقوق المشاركين في تلك البحوث.
العدالة الاجتماعية
وشدّد عيسى على أن تكون الفائدة لجميع فئات المجتمع من تطبيقات التقانات الحيوية، وليس فئة معينة، من أجل توزيع عادل لفوائدها، وأن تكون تلك التطبيقات آمنة وخالية من المخاطر، مع إجراء تقييم شامل للمخاطر المحتملة، قبل الموافقة على أي تطبيق جديد، وضمان اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لمنع حدوث أي أضرار.
آمنة للاستهلاك
رئيسُ قسم التقانات الحيوية الطبية والحيوانية، في الهيئة العامة للتقانة الحيوية الدكتور حسان مهدي، أشار إلى أن الدليل الوطني لأخلاقيات استخدام التقنيات الحيوية في الطب والغذاء والزراعة مكوّن من ستة عشر باباً، تتضمن كافة القضايا الأخلاقية المتعلقة بالاستخدامات المختلفة للتقانات الحيوية، وبيّن أن هذا الدليل يشمل استخدام الخلايا الجذعية، والتعديل الجيني، والاستنساخ العلاجي. مطالباً بدوره بوضع ضوابط صارمة لضمان عدم استخدام هذه التقنيات لأغراض غير مشروعة، مثل اختيار صفات الجنين.
وفيما يتعلق باستخدام التقانات الحيوية بمجال الزراعة والأمن الغذائي، وحماية البيئة، وحقوق المزارعين، شدّد على أهمية التأكد من أن المحاصيل المعدلة وراثياً آمنة للاستهلاك البشري والحيواني، وأنها لا تؤثر سلباً على البيئة أو تنوع المحاصيل.
حق المستهلك
وفي السياق ذاته بيّن الدكتور بسام العقلة رئيس قسم التقانات الحيوية الصناعية والغذائية في الهيئة، أن الأغذية المعدلة وراثياً تثير قضايا تتعلق بالسلامة، والتسمية، وحق المستهلك في الاختيار، وبرأيه يجب أن تكون هناك شفافية كاملة حول الأغذية المعدلة وراثياً، وأن يكون للمستهلك الحق في معرفة ما يشتريه واتخاذ قرار مستنير في حصوله على المنتج.
التحوير الوراثي للنباتات
من جهته رئيسُ قسم التقانات الحيوية النباتية في الهيئة الدكتور فهد البيسكي أشار إلى أهمية التركيز على تطبيق التقنيات الحيوية النباتية العملية، في مجالات التحسين والتطوير الوراثي، بهدف استنباط أصناف وهجن جديدة، عالية المردود، بمواصفات نوعية جيدة، ومتحمّلة للإجهادات البيئية، والإكثار الدقيق للنباتات الطبية والعطرية، وحتى نباتات الزينة.
تجنب التلوث
وبرأي الدكتور ماهر عبود من هيئة الطاقة الذرية أن الورشة أضاءت على الكثير من الجوانب المهمّة، ومنها ما يتعلق بمفاهيم السلامة الجرثومية بأنواعها البكتيرية والفطرية وكيفية تجنّب التلوث، ومعالجة التلوث الطارئ، وشدّد الدكتور عبود على ضرورة أن تتبع الكوادر العاملة في مجال التقانات الحيوية دورات في السلامة البيولوجية، بغية تجنّب احتمالية المخاطر البيولوجية، وضرورة العمل بنظام ضمان الجودة وما يحقّقه من فائدة في تقفي التجارب العلمية وتوثيق النتائج والحوادث.
التروي والدقة
وتحدثت الدكتورة رزان الزيبق من هيئة الطاقة الذرية عن بعض المخاطر الواردة في مسودة الدليل لناحية التقانات النانووية، وبيّنت أن المواضيع المطروحة لا تزال حديثة، ولا أحد يدرك بعد المخاطر المحتملة للأثر التراكمي، مما يتطلّب التروي والدقة.
وقال رئيس قسم الإنتاج الحيواني في كلية الزراعة بجامعة دمشق الدكتور موسى عبود: علينا أن ننتبه إلى المخاطر غير الظاهرة للتعديل الوراثي في الدواجن نظراً لقصر عمرها، مشيراً إلى احتمالية ظهور نتائج سلبية عند الأبقار أيضاً، لافتاً إلى أن الاتحاد الأوروبي يمنع استخدام الهرمونات في التربية الحيوانية، ويوصي باستخدام مواد رافعة طبيعية بما فيها بعض الأنواع من الحشرات.
غير موجودة في بلدنا
نائب رئيس مركز التقانات الحيوية في جامعة تشرين الباحث الدكتور نزار معلا تساءل: هل نحن نناقش موضوع دليل للعمل المخبري البحثي أم نناقش دليلاً وطنياً لمنتج تقانة حيوية، سواء أكان زراعياً أم طبياً أم صيدلانياً، وبرأيه أن جلّ الحديث دار حول منتجات التقانة الحيوية، وهي فعلاً غير موجودة في بلدنا، وقال “عندنا خلايا جذعية وما عندنا تشريع لها”، وعاد وسأل: هل عندنا منتج نباتي معدل وراثياً؟، لافتاً إلى ضرورة أن يكون هناك اتفاق على المصطلحات الخاصة بالتقانات الحيوية لننطلق منها إلى التشريع، ثم التنفيذ، مضيفاً: سبق واجتمعنا لسنوات على مدرج جامعة دمشق، بمشاركة باحثين من مختلف الجهات البحثية لنصل إلى فكرة حول تأسيس بنك خلايا جذعية في سورية، لكننا لم نصل إلى نتيجة لغياب التشريع الخاص بها!.
وبرأي معلا الباحث والاختصاصي في الهندسة الوراثية، يجب أن نفرّق بين دليل للكشف عن منتج معدل وراثياً، يكون آمناً غذائياً وصحياً وبيئياً، وبين وضع تشريع خاص للأمان للعاملين في المجال البحثي، وهذا ما يتوجب علينا فهمه -حسب قوله-، حيث يجب التفريق بين المفهومين، والاتفاق بأننا لا نناقش دليلاً وطنياً لمنتجات التقانة الحيوية لعدم وجودها أصلاً، بل نحن في ورشة عمل تناقش فقط تشريعات الأمان للعمل البحثي بأساليب التقانة الحيوية.
واقترح معلا إعداد ورشة عمل وطنية لإعداد الدليل البحثي في مختبرات التقانة الحيوية، زراعية، طبية، غذائية، صناعية، وغيرها تشارك فيها كلّ الهيئات والجهات البحثية، ووضع معايير خاصة وتشريعات من مرحلة (أخذ العينات) وصولاً إلى ناتج البحث. كما اقترح تشكيل لجنة وطنية مختصة مهمّتها الكشف والتقصي عن المنتجات المعدلة وراثياً زراعية وطبية وغيرها، علماً أنه كان هناك لجنة مشكلة منذ أكثر من 15 سنة لم تفعل شيئاً، ولم يتمّ الكشف عن أي منتج، ودعا إلى إحداث هيئة استشارية متعدّدة الاختصاصات، وتشريع خاص يجيز للباحثين إنتاج منتج وطني بالتقانة الحيوية.
خلاصة
أخلاقيات التقانات الحيوية هي مجال حيوي يتطلّب حواراً مستمراً بين العلماء، وصنّاع القرار، والمجتمع المدني. يجب أن نعمل جميعاً معاً لوضع إطار أخلاقي قويّ يضمن استخدام التقانات الحيوية بطريقة مسؤولة وآمنة تعود بالخير على البشرية جمعاء.