مشاهد وامضة متقاطعة
غالية خوجة
دمعات غزيرات لم تتوقف، تسيل مع الكلمات والذكريات والحاضر، وتخبر العالم بأنه ما زال في الأرض متّسع للحقيقة، دمعات ذرفها الياباني توشيوكي ميماكي, الفائز بجائزة نوبل للسلام لهذا العام والتي أهداها لفلسطين، عبّرت عن الألم الداخلي المحفور مثل الأخاديد في القلب والروح، وعن سببه القديم الدمار لليابان قبل 80 عاماً، وسببهِ الراهن الدمار القاتل للأبرياء والوطن في فلسطين، فلا يفرق بين أم وجنين وطفل وعجوز وشاب ويافع وشجرة ووردة وآثار إنسانية ومبان تؤوي الناس، ومشافٍ، وبيوت، وتاريخ.
كل هذه المشاهد التدميرية الظالمة في تاريخ البشرية اجتمعت في تلك الدمعات المعبّرات عن تجذّر الألم في أعماق ميماكي وهو يقول: “لم أتخيل أن شيئاً كهذا سيحدث، إن صداه يتردد في اليابان”، مؤكداً من صميم قلبه على التطابق في المعاناة من وحشية التدمير الذي ينال المدافعين عن حقوقهم، مضيفاً: “أعتقد أن الأشخاص الصامدين في غزة هم من يستحقون الحصول عليها ـ يقصد نوبل للسلام”.
(2) التعليق لكم
ابتسامات عريضة تعلو وجوه الإعلاميين الذين أجروا لقاءات مع الفائزين بتحدي القراءة العربي، ومنهم الطفل حاتم التركاوي بطل التحدي، لكن، لماذا بعض الإعلاميين يسألون الطفل الفائز باللهجة العامية، بينما هو يجيب باللغة العربية الفصحى بسلاسة، وانسيابية، وسرعة بديهة؟ ترى، ألم تصبهم العدوى الإيجابية من الطفل أو الأطفال المشاركين؟ ألم يشعروا بأن عليهم أن يحاوروا باللغة العربية لا باللهجات؟ وليت هذه العدوى تنتقل إلى الإعلام المنزاح إلى العامية ليتحول إلى لغته الأجمل، الأكثر إشراقاً ومعنىً وموسيقية وفكراً، أي، اللغة العربية الفصحى، التي نشعر بأنها توحّدنا على الأقل، وتفتح عقولنا للضوء، وتفتّح أرواحنا بالصفاء والمحبة والإنسانية.
(3) أفعال عمياء
تقول الحكاية الشعبية الرمزية: “ولد طفل مبصر العينين لأبوين عمياوين، فظلاّ يلمسانهما حتى أصيبتا بالعمى!”، ومغزى هذه الحكاية منتشر في تفاصيل الحياة، وفئات المجتمع المتنوعة، وخصوصاً، هؤلاء الذين يعانون من هشاشة داخلية، وضعفٍ في الطاقات والقدرات، المصرين بأفعالهم العمياء على إيذاء المميز الإيجابي، المختلف بجهده ورؤاه وتفانيه لا سيما إذا كانت حياته مشروعاً إنسانياً ثقافياً، أو فنياً، أو إعلامياً، أو تعليمياً، أو اجتماعياً، أو إبداعياً، وتراهم بدل تطوير طاقاتهم الأخلاقية والعقلية، يركّزون عدسات إيذائهم على التفنّن بحقدهم وسلوكياتهم السلبية، لكن المفارقة أنهم يصابون بمزيد من العمى، بينما يظل ذاك الإنسان مع مشروعه مبصراً ومطوراً لهذه البصيرة.
ترى!! ألا يعلم هؤلاء بأن الفضاء يتسع للجميع، وكلٌّ حسب طاقته، وهذا ما يعترف به الزمن عبْر مراحله المختلفة؟ ولماذا لا يفكر المصابون بالأفعال العمياء أن يجعلوا أفعالهم وقلوبهم وأعمالهم وأفكارهم مبصرة؟
(4) الظالم يقتله ظلمه
العنف اللفظي والجسدي مرفوض، ليس، فقط، مع البشر، بل مع الكائنات الأخرى أيضاً، من نبات وحيوان، وأكاد أقول: حتى الجماد يرفض العنف بمختلف أشكاله، لأن العلم أثبت أن كل شيء متحرك وإن ظهر بمظهر جامد وساكن، وهذا يعني أنه يتأثر بالعنف، وكذا، يتأثر القائم بالعنف لأنه، في لحظة ما، يجد نفسه وجهاً لوجه مع مختلف أشكال الأمراض النفسية المؤدي بعضها إلى الانتحار.
ولذلك، من المفترض، أن يشعر الجميع بآلام وآثار العنف بمختلف أشكاله، فما بالكم بشعب يُعنّف ظلماً وعدواناً حتى الموت والتهجير والإبادة، وما بالكم بأوطان تُدمَّر مع سابق الإصرار والتخطيط والتصميم بما فيها من بشر وحجر وشجر على مرأى ومسمع العالم، لدرجة دفعت الكائنات الأخرى لتتساءل: هل غادرت الإنسانيةُ الكرة الأرضيةَ؟!