الباليه وتقبل المجتمع.. السويداء أنموذجاً
السويداء- رفعت الديك
في إحدى الصالات بمدينة السويداء تجتمع مجموعة فتيات بابتسامتهن الخجولة وأجسادهن النحيفة وحركاتهن الرشيقة، وعلى أنغام بعض الموسيقا تنسجم حركاتهن مرة تلو الأخرى في رقصات جمعها التنظيم والرشاقة والخفة والاتزان.. هي صالة لتعلم الباليه.
الفكرة ليست بجديدة كما تقول المدرّبة منيرة الشماس مؤسّسة أسرة الجمباز الإيقاعي في السويداء في عام 1999 والتي كان هدفها تعريف الناس على هذا اللون، قد تكون البدايات صعبة لعدم معرفة الناس بهذا الفن وغموض أهدافه وسماته بالنسبة إلى كثيرين، لكن اليوم أصبح ظاهرة منتشرة في المجتمع، كما بيّنت الشماس لعوامل عدّة، أكثرها أهمية وعي أبناء المجتمع ورغبته في استثمار سماته وخصائصه البدنية والعقلية، فالباليه هو مرآة تعكس ما يجول في دواخلنا على شكل رقصات، وهو يحمل الكثير من الرسائل الفكرية والثقافية ويعكس ثقافة المجتمع وحبه للسلام وكل شيء جميل، هذه السمات والخصائص التي يتميّز فيها الباليه، فهو يعطي أكثر تكنيك للجسد لجهة الحركات والاستقامة والجمالية، بالإضافة إلى الفيزيولوجية من خلال التمرينات الخاصة والتي تصاحبها الموسيقا.
اليوم السويداء تحتلّ مكانة مهمّة في هذا الفن نتيجة حصولها على العديد من المراكز المتقدمة وطنياً وعالمياً، وهناك شخصيات مهمّة في هذا المجال خرجت من السويداء لتحجز مكانة لها على المستوى العالمي، ومنهم لجين حمزة الحائزة على لقب ملكة الفن في مسابقة عالمية في بيلاروسيا، وأمل النبواني التي وظّفت رقص الباليه تحت الماء في فرنسا، كذلك مها الأطرش الحاصلة على دكتوراه في الباليه من روسيا، وهناك مثقال الزغير أول من درس في المعهد، وهو حالياً حاصل على دكتوراه في الباليه في فرنسا، وهناك سنوياً مجموعة من الطلاب يدخلون معهد التعليم العالي في قسم الباليه.
وحول انعكاس هذا الفن على المجتمع، تقول الشماس إنه يعطي رقياً نتيجة خصائصه المهمّة جسدياً وروحياً، فكلما كان هناك انتشار للفنون في المجتمع ارتفع مستوى الوعي والرقي فيه، وعندما نجد المسرح يغصّ بالحضور لمشاهدة عروض الباليه، فهذا يشكل مقياساً لمستوى وعي وتطور هذا المجتمع.
انتهى كلام الشماس التي لاقاها في التفكير مجموعة من الأشخاص واتفقوا معها على رسالة الباليه الإنسانية والحضارية والثقافية، إذ أصبح هذا النمط الكلاسيكي من الرقص يلقى ترحيباً لدى معظم العائلات التي ترسل أبناءها إلى المراكز التخصصيّة التي تأسّست لاحتضان هذا الفن وما يحمله من أهداف نبيلة.
ومن تلك المراكز “مركز أبولو للفنون” الذي يقول مؤسّسه أيسر أبو لطيف إن الباليه لعبة دخيلة على مجتمعنا العربي، وأساس وجودها هي دول وجمهوريات الاتحاد الروسي وما يحيطها، لكنها بعد أن انتقلت إلينا عبر مجموعة من المدرّبين ومنهم الأجانب أصبحت تنال قبولاً ملحوظاً ومحبة من قبل روادها وعلى وجه الخصوص فئة الإناث، وذلك لأهمية ما يمكن أن تقوم به هذه اللعبة من صقل للجسم ومنفعة صحية.
وبيّن أبو لطيف أن هذا الفن يتطلّب بالدرجة الأولى وجود مدرّب أكاديمي ومتخصّص فهي لعبة ذات حدين، وذلك لحساسيتها وتأثيرها الإيجابي المباشر على الأعصاب والعضلات ومدى منفعتها للاعب نفسه في المنظور البعيد، ومن خلال تجربتنا المتواضعة في المركز- قسم الباليه- والذي يشرف ويقوم بتدريب رقص الباليه والجمباز الإيقاعي فيه الأستاذ قتيبة أبو لطيف وهو من طلاب “فرقة إنانا” بقيادة الأستاذ جهاد مفلح وزوجته الروسية “البينا بيلوفا”، ومن طلاب المعهد العالي للباليه في دمشق، وحيث وجدنا في محافظة السويداء الحافز الفني لانتشار هذه اللعبة، قمنا بتأسيس أول مركز لتدريس الباليه أكاديمياً، ونال ذلك قبولاً جميلاً وغير متوقع لسببين أساسيين، الأول هو الثقة التامة من قبل أهالي الطلاب المتقدمين للتعلم من فئة صغار العمر، والثاني هو تشجيع الأهالي ذاتهم لأبنائهم على التدريب والمتابعة نظراً لجمال هذه اللعبة، والتي تُظهر بالإضافة إلى حركات الرقص الجميلة، جمال الجسد بتفاصيله وإمكاناته، فلها الدور الأكبر في حماية المتدرب أو المتدرّبة من كثير من الأمراض المنتشرة وأخطرها الأمراض العصبية والزهايمر والديسك والجنف وتقوس القدمين، إذ إنها تعتمد على شدّ العضلات والأعصاب، وكما نقول “المطمطه” بالعامية، ونحن نعتمد في مركزنا من بعد المرحلة التحضيرية ومن بعد أن يصبح المتدرّب ذا إمكانيات فنية وجسدية ملحوظة نقوم بنقله إلى فئة المتقدمين، وهي أكثر تميزاً ومقدرة ومعلومات ومن ثم الفرقة الأساسية، ويدخل من خلالها المتدرّب مجال الرقص الاحترافي وإمكانية تقديمه للعروض المسرحية أو تأهيله للمعهد العالي للباليه أو مدرّب مبتدئ، حيث اعتماد ذلك، وكما ذكرت، على طرق أكاديمية في التدريب.