ثقافةصحيفة البعث

التشكيل والباليه في مشهد ثنائي وحالات منفردة

ملده شويكاني

ثمّة علاقة بين الفنّ التشكيلي ورقص الباليه، تتسرّب إلى اللوحة والمنحوتة وحتى التصاميم الإعلانية، لكن الرسم هو الأكثر إيضاحاً لهذه العلاقة التشاركية، إذ عبّر عدد من الفنانين عن فلسفة الحركة التي تقوم على إيقاعات موسيقا الباليه بريشتهم وألوانهم وفق منظورهم لفضاءات اللوحة التي تتعدّى الواقع نحو أفق واسع وتنحو نحو انزياحات ورؤى بعيدة، تتواصل مع المتلقي من خلال عناصر الحركة الأدائية التي يحاول تفسيرها، وربما يكون أكثر فهماً لها من حالة متابعة عرض الباليه على المسرح من خلال التكوينات التشكيلية المتمّمة للحركة.

وقد اشتُهر الفنان الفرنسي العالمي الانطباعي “إدغار ديغاس” برسم حركة راقصات الباليه في القرن التاسع عشر، كما جسّد الفنان اللبناني باسل جوهر بإحساس مرهف تصاميم الرقصات، مركزاً على الحركة الراقصة وتناغمها مع الموسيقا بلوحاته المرسومة على القماش الأسود الحريري.

ومن الفنانين السوريين، شكّل تمام محمد حالة خاصة بتجسيد مشهد الباليه الثنائي بين الرجل والمرأة بأسلوبه التعبيري وبإتقانه الحركة الراقصة وتمثيلها للرجل والمرأة، مركزاً على تفاصيل الجسد وحركات الأيدي والساقين، ولاسيما بوضعية القفز بالهواء أثناء الرقص، معبّراً عن الموسيقا بانسيابية تموجات لونية مشرقة متداخلة مع أشكال هندسية في الخلفية تدلّ على تصاعد السلم الموسيقي وانخفاضه وعلى تدرجات النوتة الموسيقية المتكاملة مع امتدادات ثوب الباليه في بعض اللوحات، مستخدماً لون الثوب الكلاسيكي الأبيض في بعضها، وفي أخرى أضفى اللون الأحمر جمالية على تكوينات اللوحة، كذلك شفافية الأزرق.

ولم تقتصر العلاقة بين الرسم والباليه على حركة الجسد وإيحاءات المعنى، فبعض الفنانين أكملوا المشهد بإضافة الآلات الموسيقية إلى فضاءات اللوحة وخاصة البيانو بفنية مباشرة، في حين لجأ آخرون إلى تجسيد موسيقا الباليه بإشارات لونية توحي بالنوتات الموسيقية.

وعلى أرض الواقع ومن خلال المشهد الثقافي السوري، قدّم الفنان التشكيلي والناقد والباحث الموسيقي أديب مخزوم تجربة رائعة، جمعت بين اللوحة ورقص الباليه المباشر والموسيقا في الفعالية الثقافية بعنوان “لقاء التشكيل مع الموسيقا والباليه” بالمركز الثقافي في الميدان، وضمّت قرابة المئة وعشرين مشاركاً بين الرسم والباليه والموسيقا، بمشاركة الفنانين المخضرمين والشباب، وصولاً إلى اليافعين والأطفال بعرض لوحاتهم المعبّرة عن الموسيقا والباليه بصور مختلفة، إذ عرض الفنان أديب مخزوم لوحتين من القياس الكبير، جسّد في الأولى الآلات النفخية النحاسية، مركزاً على البوق وفق مساره الفني بأسلوبه التعبيري وباعتماده على الخط الأسود بتحديد عناصر اللوحة على خلفية تجمع بين التعبيرية وشيء من التجريد المبسّط بعجينة اللون الأصفر الممتزج مع درجات البني في مواضع، ومركزاً على حركة الأيدي للراقصة ووقوفها على رؤوس الأصابع بثوب الباليه الأبيض الذي يأخذ شكل الدائرة، أما في اللوحة الثانية فجسّد الراقصة بحركة صعبة وهي تفرد يدها نحو الأعلى وتقف على ساق واحدة بالقرب من آلة البيانو المرتبطة بالموسيقا الكلاسيكية على خلفية تجريدية تعبيرية حملت إيحاءات مكثفة.

ويوضح مخزوم أنه رسم مدرّبة ومؤسّسة فرقة “الرين” التي شاركت بالفعالية رينا علو، وهي فنانة تشكيلية أيضاً تعمل على دمج المؤثرات البصرية والسمعية في لوحاتها، وترسم راقصات الباليه بصياغة تعبيرية مبسّطة، بالإضافة إلى تكوينات اللوحة، موظّفة انسيابية حروف اللغة العربية بموسيقا لونية، فقدّمت مع فرقتها عرضاً رائعاً من خلال تنويعات النغم الموسيقي وتبدلاته الإيقاعية المرافقة لرقص الباليه، بحضور عازفة التشيللو هيا ضعون، وعازفة الكمان والبيانو غرام مدلل.

ورأى مخزوم أن اللوحات جسّدت آلات وإشارات موسيقية مكثفة في بعض اللوحات، لإظهار مدى التقارب بين الموسيقا والرسم والباليه بصياغة تكوينات العناصر البصرية والسمعية، كما تولدت من إيقاعات بعض اللوحات مؤشرات الإحساس بحركات رقص الباليه والمؤثرات البصرية التي تكوّن موسيقا اللوحة ويمكن قراءتها على أساس تنويعات النغم الموسيقي الافتراضي والإشراق اللوني.