الباليه والشّرنقة
نجوى صليبه
بحسب الـ”ويكيبديا” فإنّ كلمة بالية بالفرنسية Ballet وهي نوع من الرّقص التّعبيري الذي ترافقه الموسيقا والإيماء والمشاهد المسرحية، أمّا لفظ الباليه فيعود إلى الفعل الإيطالي ballare أي يرقص، إذ كانت بداياته مشاهد تُؤدّى في البلاط الإيطالي أثناء عصر النّهضة لتسلية الضّيوف، ثم أطلقه الفرنسيون على حركات الرّقص وتقنياته.
ويعود الفضل في ظهور الباليه -وفق ما تذكر الـ”ويكيبيديا” أيضاً- إلى “دومنيكو دي بياشينزا” (1390-1470)، عندما أطلق اسم “بالو”، بدلاً عن “دنزا” أي رقص، وعلى الرّغم من نفي البعض لعلاقة ذلك، بتطور الباليه، يعدّ أول عرض باليه، هو ما قدّمه “بالتازار دي بوجويولكس”، في عرضه “باليه كوميك دي لا ريني” في عام 1581 في العام ذاته، نشر “باليه فابريتو كاروسو”، “إيل باليانو”، وعُدّت التّقنية العالية في الرّقص الجماعي، والحركات، تعزيزاً لمركز إيطاليا كبلد رئيسي في تطور الباليه.
مراحل كثيرة مرّ فيها هذا الفنّ، وتطوّرات كثيرة طرأت عليه بفضل تطوّر المجتمعات، وتقنيات جديدة نشأت على يد راقصات مثل “ماري تاليوني” التي تعدّ أوّل راقصة باليه نجمة في القرن التّاسع عشر، وهي التي أطلقت شهرة “التوتو” عندما ارتدت فستاناً طويلاً وخفيفاً في عام 1832، كما وضعت قواعد لتنظيم عملية تعليم الفنّ الذي بدأ يتراجع بعد أن بدأت ملامحه تتوضّح أكثر وشعبيته تنمو وتكبر، طبعاً باستثناء بعض الدّول آنذاك، كالدّنمارك وروسيا التي ساعدت، لاحقاً، في ازدهاره، مجدداً، عن طريق تنظيم شركاتها الخاصّة جولات في أوروبا.
أمّا ماذا يتطلّب هذا الفنّ من طلّابه وممارسيه فهو نظام غذائي صعب ليكونوا نحيلين جدّاً، ويصبحوا قادرين على أداء الحركات برشاقة فائقة وحريّة جسديّة كاملة، وهذه شروط صعبة قد لا يستطيع بعض الرّاغبين في تعلّم هذا الفنّ الالتزام بها، وهم إن استمرّوا في مرحلة قد لا يستمرون في تالية، كما أنّ البعض يغادر حاملاً معه ذكريات مؤلمة عن التّضحيات والمعايير المثالية للجسد والأنوثة ونظام الحياة اليومي، وهذا ما وثّقته راقصة الباليه “أليس روب” في كتابها “لا تفكّري يا عزيزتي.. عن حبّ وهجر الباليه”، وهي التي تركت الباليه في سنّ الخامسة عشرة، وأكملت طريقها في الصّحافة والكتابة.
وبالبحث عن هذا الكتاب والدّوافع وراء إصداره، وجدنا أنّ المؤلّفة انطلقت من مقولة لمصمّم الرّقص الجورجي- الأميركي “جورج بالانشين” وأحد مصمّمي الرّقصات الأكثر تأثيراً في القرن العشرين، وهو المشارك في تأسيس كل من “مدرسة الباليه الأميركية” في عام 1934، و”شركة نيويورك سيتي للباليه” في عام 1948، إذ قال: “إنّ الباليه امرأة”، وقال أيضاً للرّاقصات: “أنتن مثل من يعيش داخل شرنقة، لن تنكشف شخصياتكم الحقيقية إلّا عندما تختفي كلّ الدّهون، وتبقى عظامكم فقط”.
صورة راقصة الباليه هذه هي التي رسّختها أيضاً السّينما الأمريكية، تحديداً، طبعاً مع عرض المشكلات النّفسية والجسدية التي تعانيها الرّاقصة التي لا تصل إلى معايير الأنوثة السّابقة، ومن هذه الأفلام “save the last dance” بطولة الممثلة “جوليا ستايلز” الذي عُرض في عام 2001، و”black swan” الذي عُرض في عام 2010، وهناك أفلام تناولت قصص فتيات تحوّلن من راقصات باليه إلى جاسوسات مثل Red” Sparrow” بطولة “جينفر لورانس”.
طبعاً إن تحدّثنا عن حضور الباليه في الدّراما أو السّينما السّورية، فهو خجول جدّاً ونادر أيضاً كحضور الحقيقي والواقعي في مجتمعنا، أذكر هنا صورة راقصة الباليه يارا عيد في مسلسل “فسحة سماوية”، لكن وأيّاً كان هذا الحضور لا يمكن إلّا التّنويه بأنّ هذا الفنّ مثله مثل فنون كثيرة حديثة العهد في بلادنا ومجتمعاتنا تُحارب في البداية، ثمّ نتفاخر بأبطالها وبطلاتها، وهذا ما نتمناه فعلاً أن يكون لدينا أبطال في هذا الفنّ على المستوى المحلي والعربي والعالمي، ونحن الذين تعرّفنا على هذا الفنّ من خلال لعبة “راقصة الباليه”!.