ثقافةصحيفة البعث

“قيامة الظل” وثنائية العود والشعر

ملده شويكاني

ثمّة علاقة بين آهات الناي ودخان البخور وأوتار العود ودمشق التي ارتبطت بتراتيل العشق، وكانت حاضرة في الأمسية الشعرية التي قدّمها الشاعر ثائر نصور بمرافقة الملحن وعازف العود وليم حسن الذي ألّف الموسيقا التصويرية لسهرات تلفزيونية وأعمال درامية، وذلك في المركز الثقافي العربي -أبو رمانة- بعنوان “قيامة ظل”.

وتتالت قصائد منصور الشعرية القصيرة مع نغمات العود والتنقل بين المقامات، والملفت أنه وعلى الرغم من اعتماده على القصيدة القصيرة المبنية على الومضة، لكنه عاد فيها إلى سمات الشعر العربي القديم بمضامينه ومفرداته التي استمدها من العصر القديم، فكرّر مفردة المليحة والصهيل والمعلقات والخمر والمدامع والخمار والكأس والصبابة، وغيرها، كما استخدم أسلوب الاقتباس والتناص، فوظّف الآية الكريمة “وتقطعت بهم الأسباب” الآية رقم 166 من سورة البقرة “ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب” بقوله:

“وفؤاد تقطعت به السُبل”

والتناص الشعري الكامل مثل بيت الشعر من نشيد بلاد العرب أوطاني للشاعر فخري البارودي:

لسان الضاد يجمعنا

بغسان وعدنان

والجزئي:

قل للمليحة من وجد السنا

المأخوذ من الشطر الأول للشاعر ربيعة بن عامر التميمي المشهور بمسكين الدارمي:

قل للمليحة في الخمار الأسود

ماذا فعلت بناسك متعبد

وكذلك يا لائمي المنادى المأخوذ من الشطر الشهير للبوصيري:

يا لائمي في الهوى العذري معذرة

مني إليك ولو أنصفت لم تلُم

وتبنى الأسلوب الإنشائي بتساؤلات في قصائد عدة، مثل قصيدته المحمّلة بالرمزية المبنية على التناص من بيت الشعر الشهير لبشار بن برد من بحر الهزج:

رباب ربة البيت

تصبّ الخل في الزيت

لها عشر دجاجات

وديك حسن الصوت

بقوله:

رباب هل ربة البيت؟

والديك هل حسن الصوت؟

وتنوّعت مضامين القصائد التي ازدادت تألقاً بإلقائه الجميل بين الحب:

أهواك

من علم الأقداح ثمالة الهوى

وانثنت وجداً في معانيه

وتر ينادم اللحن في طرب

حرف يكنز السحر في أحجية

ومما قاله في توصيف دمشق:

وكلما تنفس صبح

طالعتني عيناك سحراً وأغنية

أنت المليكة وحدها

ضوع الزمان وشامة على خد أمي

ومن أجمل ما قاله:

حيرى هي الأحلام

يا ابنة المجد أبد الدهر شآم

وعُرض خلال الأمسية مقطع مصور لأغنية “انتهينا” من كلمات الشاعر ثائر نصور وتلحين وليم حسن وغناء حسام حسن “انتهينا.. وعبير الشوق مسفوحاً في مقلتينا”.

وبعد الأمسية، تحدّث نصور مع “البعث” عن عنوان الأمسية بالقول: “قيامة الظل تتعلق بكل شخص، فكلنا ننشد قيامة الظل التي تدلّ على الطمأنينة والهدوء الذاتي وبالمعنى الدقيق، فالظل عكس الحر، وأجبتُ من خلال قصيدتي عن معنى العنوان:

من بدو البدو وأنت أظلتي

كلام في سرك نجوى الألق

وأودّ من خلال اتّباع قصيدة النثر الموزونة ذات الألفاظ الفصيحة صياغة الشعر بطريقة عصرية بإحداث إيقاع جديد، وتقصدتُ توظيف بعض المفردات من الشعر العربي القديم لإحداث صدمة عند المتلقي من خلال تطعيم القديم والحديث، فربما تحدث يقظة بالعودة إلى القيامة وإلى تراثنا الأدبي الغني بالأصالة”.

ومن المعروف أن نصور يكتب الشعر والقصة والرواية، ويخوض حالياً تجربة كتابة سيناريو لعمل درامي اجتماعي، لكنه يجد نفسه بالشعر الذي وصفه بأنه إيجاز الإيجاز.

كما تابع وليم حسن الذي رافق الشاعر بألحان العود من خلال اختيار المقامات بما يتناسب مع روح الشعر، فتدرج بين مقامات العجم والنهاوند والصبا والبيات وأخذ الدور الثاني ليكون صوت الشعر أقوى من العود أثناء الإلقاء، أما في فترات الصمت والانتقال من قصيدة إلى أخرى، فكان العود يأخذ الدور الأول، وعن تجربته بالتلحين على العود يبيّن أنّ البداية تكون بالتلحين على العود مثل أكثر الملحنين، ثم يقوم بالتوزيع الموسيقي على النوتة الموسيقية، ومن ثم التنفيذ بالاستديو مع الأوركسترا.

ونوّه بتعاونه مع لانا هيبراسو التي ستغني ثلاث قصائد من شعر نصور وألحانه بأن طبيعة صوتها غربي- سوبرانو وتتوافق مع شعره، وبأنه خاض تجربة المرافقة الشعرية مع شعراء عدة، منهم الشاعر الدكتور أيمن أبو شعر، وبأن ثنائية الشعر والعود نجحت في المشهد الغنائي مع كبار الشعراء، ومن أشهرها ثنائية مارسيل خليفة ومحمود درويش.