دراساتصحيفة البعث

ترامب يدفن “عصر بوش-كلينتون”

سمر سامي السمارة

على الرغم من تناول الكثير من الكتّاب والصحفيين فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عبر وسائل الإعلام المختلفة، إلا أن القليل من التحليلات، أولت اهتماماً بالتطور الملحوظ المتمثل بنهاية عصر بوش-كلينتون الذي بدأ في ثمانينيات القرن الماضي، واستمر حتى عام 2016.

بالعودة إلى الوراء هكذا كانت تجري الأمور، فبدءاً من عام 1981، كان أحد أفراد عائلة بوش أو عائلة كلينتون في البيت الأبيض إما كنائب رئيس قوي أو كرئيس بنفسه وللعديد من السنوات، أو، في وقت لاحق، كان يصبح مسؤولاً عن السياسة الخارجية.

على سبيل المثال، شغل الجمهوري جورج بوش الأب منذ عام 1981 إلى عام 1898منصب نائب الرئيس في عهد رونالد ريغان، وباعتباره مديراً سابقاً لوكالة الاستخبارات المركزية، فهو يستحق نظرة عن كثب، فقد كانت تلك سنوات الحرب الباردة، وكانت وكالة الاستخبارات المركزية بمثابة صفقة كبيرة، ولا تزال كذلك بالطبع، إذ تشتهر الوكالة بتعليم تقنيات التعذيب للمجموعات الأجنبية، فضلاً عن الترويج لـ “تغيير الأنظمة” والانقلابات، والهجمات الإرهابية تحت راية كاذبة، واغتيال الزعماء الأجانب، وما إلى ذلك.

وخلال سنوات ريغان، ومواكبة لهذا السجل، اعترف بوش بأنه لعب دوراً في بيع الأسلحة بشكل غير قانوني وتجارة الكوكايين، والإرهاب، والتعذيب، ولقد اتُهمت وكالة الاستخبارات المركزية بالتورط في عمليات تهريب المخدرات، وهو ما يتفق مع السجل الطويل لتورط وكالة الاستخبارات المركزية في هذه التجارة.

وللإشارة فقد التقى بوش وكلينتون، فبينما كان بوش جزءاً من الإدارة التي تدير عمليات تهريب المخدرات، كان بيل كلينتون، الذي أصبح رئيساً فيما بعد، حاكماً لولاية أركنساس آنذاك، وقد اتُهم بالتواطؤ في هذه العملية.

وهذه ليست الصلة الوحيدة التي تربط كلينتون بعالم الجريمة المنظمة، فقد كان شقيقه روجر كلينتون على صلة بعائلة جامبينو الإجرامية، بل وقضى وقتاً في السجن بتهمة الاتجار بالكوكايين، ولكن الرئيس بيل كلينتون عفا عنه في وقت لاحق.

ماذا لو فاز كلينتون بالانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 بدلاً من ترامب؟

بالعودة إلى بوش الأب، كان شريراً لدرجة كبيرة، فعندما أطلق عضو الحزب النازي الأمريكي السابق جون هينكلي الابن، النار على الرئيس ريغان وأصابه في 30 آذار 1981، في محاولة لاغتياله، انتشرت شائعات ونظريات حول تورط بوش في الفعل من أجل الوصول إلى سدة الحكم، ومع ذلك لم تساعد حقيقة أن عائلة هينكلي كانت لها صلات بعائلة بوش كثيراً في هذا الصدد، حيث كان شقيق مطلق النار سكوت هينكلي- نائب رئيس شركة فاندربيلت للطاقة التابعة للعائلة- صديقاً لابن جورج بوش نيل بوش، فقد كان سكوت هينكلي مدعواً لحضور حفل عشاء في منزل نيل بوش قبل الحادث.

لم يصبح جورج بوش الأب رئيساً في آذار 1981، ولكنه أصبح رئيساً في عام 1989، وبذلك خلف ريغان، تاركاً إرثاً بغيضاً من الحروب، إلا أنه لم ينجح بصفته رئيساً في إعادة انتخابه، ومع ذلك فقد خلفه في عام 1993 شخص عزيز عليه جداً، كان يعتبره بمثابة ابنه، وهو الديمقراطي بِل كلينتون.

كان صعود الديمقراطيين الجدد، وبالنسبة لكلينتون، يمكن تسليط الضوء على إنجازين رئيسيين، أولهما: دفع توسع حلف شمال الأطلسي، وقصف حلف شمال الأطلسي لدولة أوروبية لم تعد موجودة آنذاك وهي دولة يوغوسلافيا السابقة. وفي تلك الآونة، كانت هذه تعدّ أكبر عملية عسكرية على الأراضي الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، ولا تزال المنطقة بمثابة قنبلة موقوتة حتى يومنا هذا.

كما كانت هذه العملية أوّل تدخّل دولي من دون الحصول على موافقة مسبقة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في سابقة للغزو الأمريكي للعراق بعد أربع سنوات.

في تلك الآونة، ظلت الصلة العائلية قوية، حيث أطلق كل من كلينتون وبوش العديد المبادرات، مثل صندوق كلينتون بوش لإغاثة هايتي،وصندوق بوش وكلينتون لإغاثة كاترينا. وليس من المستغرب أن تكون عائلتي بوش وكلينتون قريبتين إلى هذا الحد، فقد تناوبتا على إدارة البلاد لعقود من الزمان، فقد خلف الرئيس كلينتون، الذي سبقه بوش الأب الذي كان يناديه “أبي” في عام 2001 الجمهوري جورج دبليو بوش، أي ابن بوش الأب. وكان جورج دبليو بوش ينادي كلينتون “أخيه” في كثير من الأحيان، كانت تلك سنوات المحافظين الجدد.

من الجدير بالذكر أن إرث بوش شمل تحويل البلاد إلى دكتاتورية بحكم الأمر الواقع من خلال قانون “باتريوت”، فضلاً عن الاحتلال الذي دام عقدين من الزمان لأفغانستان والعراق، حيث كانت أفغانستان مشروعاً استعمارياً جديداً واضحاً، بالإضافة إلى المزيد من التوسع في حلف شمال الأطلسي.

هذا هو عصر بوش-كلينتون حيث استمر هذا الوضع لمدة 28 عاماً على الأقل، أي حتى عام 2009، عندما لم تتمكن هيلاري كلينتون من الفوز داخل الحزب الديمقراطي، وفي صراع داخلي شرس، تم ترشيح باراك أوباما بدلاً من ذلك وفاز في عام 2009، ومع ذلك لم تنته حقبة بوش-كلينتون بعد، فقد احتفظ أوباما بـ هيلاري بكلينتون المسؤولة عن السياسة الخارجية، كوزيرة للخارجية حتى عام 2013، لكنها استقالت بعد العديد من الفضائح، وحل محلها جون كيري.

وللإشارة فإن كيري هو زميل جورج دبليو بوش الذي هزمه في انتخابات عام 2002 ، فكلاهما عضو في نفس الجمعية السرية النخبوية، وعلى الرغم من أنه كان يُقال عن أوباما آنذاك أنه “الأقل أطلسية”، فإن إرث أوباما-كلينتون-كيري يشمل تمكين جماعة “داعش” الإرهابية، وصب الزيت على النار في الحرب على سورية، ودعم الميدان في أوكرانيا، وتدمير ليبيا بقصف الناتو، ومرة أخرى المزيد من توسع الناتو.

بعد ذلك، خسرت كلينتون السباق الرئاسي أمام الجمهوري دونالد ترامب في عام 2016، الأمر الذي أنهي حقبة بوش-كلينتون، ثم هزم ترامب من قبل الديمقراطي جو بايدن في عام 2020 وكان يُعتقد أن الأمر قد انتهى، ولكن بدلاً من ذلك، تولى السيطرة على الحزب الجمهوري، وأزاح عائلة بوش والمحافظين الجدد جانباً، ولم تعد عائلة كلينتون إلى الساحة تحت قيادة بايدن لعدد من الأسباب. ومن بين إرث إدارة بايدن-هاريس في كل الأحوال التواطؤ مع الإبادة الجماعية الإسرائيلية في فلسطين، واللعب بالحرب العالمية من خلال زيادة التوترات مع كل من روسيا والصين بشأن تايوان، وهذا هو شعار بايدن “عودة أمريكا”.

الآن عاد ترامب إلى سدة الحكم، الأمر الذي يختم نعش حقبة بوش-كلينتون وهذه المرة بالسيطرة الكاملة على الحزب الجمهوري، مع أغلبية في مجلس الشيوخ وأكثر من ذلك بكثير.

ترامب، ليس بأي حال من الأحوال “صانع سلام” وليس صحيحاً تماماً أن رئاسته 2016-2020 تميزت بـ “عدم الحروب”، فقد تم اغتيال قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني، ومع ذلك، يرى مراقبون أن إدارة ترامب السابقة لم تكن نداً لسابقيه بوش-كلينتون من حيث إثارة الحرب والإبادة الجماعية وتدمير الأمم، ولا نداً لبايدن، في هذا الصدد، وفي كل الأحوال، يرى المختصون أنه لن يتجاوز هذه المرة أيضاً الإرث المذكور أعلاه لأسلافه. إذا تبين أن هذا هو الحال، وإذا تم ممارسة أدنى قدر من ضبط النفس، فهذا في حد ذاته يجب أن يكون بالفعل خبراً جيداً للعالم.