دراساتصحيفة البعث

كيف ستكون العلاقة الصينية- الأمريكية؟

ريا خوري

كان لنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية بفوز الرئيس دونالد ترامب ردود فعل كبيرة ومؤثرة في العالم، ومن أهمها ما قدّمه عدد كبير من المحلّلين السياسيين والاستراتيجيين حول العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، حيث ينتظر تلك العلاقة عواصف جديدة في المجال الاقتصادي بشكلٍ خاص، وذلك بناءً على ما شهدته تلك العلاقة من تقلبات حادّة خلال فترة رئاسة ترامب الأولى بين  عامي (2016- 2020 م) والتي امتازت بالتوتر، ونشوب الحرب المالية والاقتصادية والتكنولوجية.

من جهتها ترغب الصين بأن تقوم العلاقة الصينية- الأمريكية في المرحلة القادمة على الحوار والتهدئة والمنافسة والتعاون، بدلاً من التصعيد، وقد تجلّى ذلك بما قاله الرئيس الصيني شي جين بينغ “بأننا نرغب بأن تكون العلاقة الصينية- الأمريكية علاقة تعاون، وهذا سيعمّم الفائدة على البلدين، أما المواجهة فستؤدي إلى خسارات فادحة”.

إنَّ العلاقات السياسية الأمريكية- الصينية المستقرة والقوية والمرنة تخدم مصالح البلدين، وتلبي التطلعات التي ينتظرها المجتمع الدولي، فالقيادة الصينية تأمل بأن تتمسّك الصين والولايات المتحدة بمبادئ الاحترام المتبادل، والتعاون المربح، والتعايش السلمي، وإدارة الخلافات بشكلٍ صحيح، وتعزيز الحوار، والتعاون المتبادل. هذا الموقف الصيني الإيجابي يعكس رغبة القيادة الصينية في فتح صفحة جديدة لها خصوصيتها مع إدارة الرئيس ترامب، ولعلها تلقى صدىً مماثلاً، وتضع حداً لكل أشكال الصراع بين القوتين العظميين لتشكل مرحلة مهمة تؤدّي إلى قدر أكبر من الاستقرار والطمأنينة في عالم يضجّ بالصراعات والنزاعات والحروب الدامية والفوضى العارمة غير المسبوقة.

الجديرُ بالذكر أنّ الرئيس الصيني شي جين بينغ قد بحث مع الرئيس جو بايدن في قمة مجموعة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (آبيك) في ليما، المسيرة المتشابكة للعلاقات بين بلديهما، والتي لم تحقّق تقدماً ملموساً خلال السنوات الأربع من ولاية الرئيس السابق ترامب، والتي ترغب الصين بأن تأخذ حقبة ترامب القادمة بعين الاعتبار الصورة الكاملة للعلاقات الأمريكية- الصينية، وأن تستجيب الولايات المتحدة لدعوة الصين للحفاظ على العلاقات الثنائية بينهما، وهي العلاقة الأكثر أهمية في العالم على طريق التنمية الصحية والمستقرة، مع الطلب من الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب أن تلتزم بمبدأ (الصين الموحدة) الخاصة بشبه جزيرة تايوان، والذي تعتبره الصين خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه بأي شكلٍ من الأشكال.

لقد رجّحَ عدد كبير من الخبراء الاقتصاديين أنّ موقف الرئيس القادم ترامب في مجال العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الصين سيكون في قادم الأيام سلوكاً مماثلاً لموقفه الذي اتخذه في ولايته السابقة، والتي اعتمد فيها على ضوابط خاصة للتصدير، وإقامة المزيد من الحواجز التجارية، وفرض القيود على منتجات التكنولوجيا المتطورة، واعتماد ضوابط للتصدير، وتوقعوا حروباً مالية ساخنة وقيوداً على الاستثمار. كما رجّح هؤلاء الخبراء قيام ترامب بإجراء جديد يؤدي إلى عدم رفع سقف العقوبات عما كان خلال ولايته الأولى، لسببين اثنين:

  • السبب الأوَّل، مضاعفة ضغط سلاسل التوريد بشكلٍ كبير، والذي سيكون صعباً جداً على الشركات الأميركية العثور على مورّدين بديلين منخفضي التكلفة المالية والزمنية خلال فترة قصيرة من الزمن، مما سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وزيادة الأسعار المترافقة مع زيادة الضغوط التضخمية في السوق الأميركية.
  • السبب الثاني، حالة الضغوط الكبيرة المضادة من جانب السوق الدولية، غير متناسين ما حصل للمزارعين الأمريكيين عام 2018 م الذين واجهوا ضغوطاً أكبر في السوق بعد فرض الصين تعريفات جمركية عالية مضادة. مع أنَّ ترامب قد أعلن في حملته الانتخابية فرض رسوم جمركية كبيرة تصل إلى نحو ستين بالمائة على السلع الصينية.

مع كلّ هذا وذاك فإنّ هناك مجالات وفرص كثيرة للتنسيق والتعاون بعيداً عن المواجهة الاقتصادية وموضوع سلاسل التوريد، وخاصة ما يتعلّق بالمجال العسكري، وتخفيف مخاطر المواجهة العسكرية المباشرة وغير المباشرة، ومكافحة المخدرات، وإدارة المخاطر الأمنية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والمناخ، وهي قضايا إذا تمّ الاتفاق بشأنها يمكن أن تشكل مدخلاً لعلاقات أوسع وأكثر استقراراً بين البلدين، لكن المشكلة تكمن في الرئيس ترامب الذي يرفع شعار (سأجعل الولايات المتحدة الأمريكية عظيمة مرة أخرى)، وهو شعار يعبّر بوضوح تام عن مواجهة بأشكال متعدّدة مع قوى أخرى في العالم تنازع الولايات المتحدة على موقع قيادة النظام الدولي، وتسعى إلى قيام نظام جديد متعدّد يقوم على المساواة والعدالة الدولية، والمقصود هنا الصين بما تمثله من قوة اقتصادية وعسكرية تنافس الولايات المتحدة، ومعها روسيا الاتحادية.

إن شكل وطبيعة العلاقات الصينية- الأمريكية، يعتمد في المستقبل على ما يمكن أن يتخذه الرئيس ترامب من قرارات، ومدى استجابة الصين للمستجدات الدولية.