المنطقة والعالم.. بين رهانين!
أحمد حسن
في الثلاثين من شهر آيار الماضي، أدانت هيئة محلفين أمريكية، بالإجماع الرئيس السابق دونالد ترامب بتهم جنائية الطابع؛ وفي غضون 24 ساعة من صدور الحكم، جمع فريق ترامب أكثر من 50 مليون دولار لحملته الرئاسية؛ وبعد أشهر قليلة، أصبح المدان بأحكام جنائية رئيساً منتخباً للولايات المتحدة الأمريكية، أي الرجل الذي يستطيع أن يشعل حروباً ويطفئها، كما يملك “حق” تقسيم وتصنيف العالم، دولاً ومنظمات وأحزاباً وأفراداً، بين مدان وبريء!!
بنيامين نتنياهو، الملاحق بجرائم جنائية الطابع داخل كيانه العنصري، وبجرائم إبادة عرقية وعنصرية في خارجه من أعلى سلطة قضائية دولية، ما زال هو ذاته، ودون منافس جديّ، من يقود المجزرة اليومية دون اكتراث برأي أحد، لا فرداً ولا أمماً متحدة ولا مجلس “أمنها” الدولي، ما دام يستند إلى قاعدتين اثنتين: أولهما غطاء داخلي من “قطعان” ذئبيّة الطابع تؤمن عقائدياً وأخلاقياً بإبادة كاملة جسديّة لـ “الغوييم”، وثانيتهما غطاء سياسي وعسكري واقتصادي من “السيّد” الأمريكي يمنع عنه أي حساب أو عقاب، ويزوده بكل مستلزمات الاستمرار في جريمة الإبادة الجماعية.
تلك هي صورة العالم الذي نعيش فيه، وهي صورة سيئة و”خطيرة” جداً، وقد كانت كذلك دائماً، لكن ما يزيد من سوئها وخطورتها اليوم أنها ترتسم على الأرض بين منحنيات حادة لمرحلة انتقالية عالمية، سواء على مستوى الدول العظمى، أو على مستوى الزعامة الداخلية، في الدولة الأقوى والأخطر عالمياً التي تشهد تبدّلاً في المواقع بين إدارتين: ديمقراطية آفلة بوجهها الصهيوني السافر وما استتبع ذلك من رؤية “تلمودية” للعالم، وجمهورية بازغة بوجهها الترامبي البلطجي الفج يضيف إلى الرؤية السالفة بعداً فاجراً في النهب الاقتصادي للآخر، وذلك ما يوضّحه بصورة جليّة ملامح تشكيل الحكومة الأولى في عهدها، والتي تجمع بين عتاة الصهاينة وبين “جلاوزة” رأس المال المنفلت من كل عقال، وذلك ما يفسّر، من جهة أخرى، إدارته الظهر لوعوده الطنانة للناخبين من أصول عربية ومسلمة.
لذلك يبدو أن المخاطر تتزايد على الجميع، وتبدو منطقتنا، أكثر من سواها، واقعة في عين العاصفة القادمة، وتحديداً مع خشية نتنياهو من حقيقة أن ترامب، الذي لا يقلّ عن بايدن في دعمه للصهاينة كما في تمثيله للقوى العميقة والفعليّة في واشنطن التي تريد دائماً زيادة الاستثمار في، ومن، اقتصاد الحرب، إلّا أنه يختلف عن هذا الأخير في رغبته الأقل بدفع أثمانها السياسية، وذلك ما قد يدفع بـ “مشعل الحرائق” إلى محاولة الهروب مجدداً –مستغلاً هذه المرحلة الانتقالية – إلى الأمام نحو حرب أكثر اتساعاً في الجغرافيا والأهداف، أملاً بتوريط واشنطن بصورة لا يمكن بعدها إلّا الاستمرار في حمايته شخصياً وسياسياً.
خلاصة القول، أمامنا عالم لا يمكن الرهان على تغيّر شكلي صوري في “بيته الأبيض” الحاكم لنخرج من مأزقنا، بل مآزقنا، والأولى أن نراهن على أمرين اثنين: أولهما داخلي عبر بناء علاقة أكثر شفافية مع الداخل الشعبي، وثانيهما الاستمرار في دعم القوى المواجهة للمشروع الاستعماري الجديد، وتحديداً القوى الفاعلة الجديّة التي دفعت بالصهاينة إلى الطلب مؤخراً من رئيس أركان “عصاباتهم” أن يعترف بالواقع، و”يكشف للجمهور حقيقة أن الساعة العسكرية التي تعدّ ضحايا وجرحى لم تعد تتزامن مع الساعة السياسية البطيئة، أو مع الساعة السياسية التي تتمنّى حرباً أبدية”.. والأيام حبلى.