عبد الغني ملوك: مقتل الرواية هو الوعظ
عبد الحكيم مرزوق
له أكثر من عشر روايات، وبدأ الكتابة الأدبية في عام 1964 بفنّ القصة القصيرة الجميل والصعب، وصدرت له مجموعة قصصية تحت عنوان “مرايا النهر” تناول فيها ألم الناس ووجعهم، وأحلامهم وطموحاتهم، التقيناه في حوار كاد يقترب من بعض النقاط الساخنة في الأدب العربي وفي كتابة الرواية التي يحمل تجاهها فلسفة خاصة كما الحياة العامة.
عن سبب اختياره الرواية دون سائر الفنون الأدبية الأخرى، يوضح الروائي عبد الغني ملوك: “يقولون إن الرواية لا تغيّر المجتمع لكنها الطريق إلى ذلك، فالرواية تستطيع وصف ما هو كائن لتنتقل إلى ما يجب أن يكون، وفي اعتقادي أن الرواية المكتوبة بأسلوب مقعّر أو مبالغ فيه في الإنشاء والكلمات الصعبة أو التي سردت بأسلوب ملتوٍ معقد هي أيضاً لا تؤتي أكلها، ومن هنا فإن الرواية المكتوبة بأسلوب سهل بسيط لكنه راقٍ هي طريق الوصول إلى كل شرائح المجتمع”.
وفيما إذا حقق ملّوك الأسلوب السلس في رواياته قال: “لقد كتبت الرواية بأسلوب بسيط قالوا عنه إنه السهل الممتنع، وقالوا هذه الكلمة عن أشعار نزار قباني، وهذا الأسلوب هو عكس الأسلوب المقعّر أو اللعب على الألفاظ كما في روايات أحلام مستغانمي وغادة السمان، ويدخل في باب المدرسة الواقعية التي برع واشتهر فيها الكتاب الروس، وخاصة “ديستوفسكي”، حيث نجد عند قراءتنا للجملة روح الكاتب وهدفه وتقرأ أحياناً ما يريد أن يقوله الروائي ما بين السطور”.
ورداً على سؤال: هل سرّ نجاحه يكمن في تسليط الضوء على الطبقة الفقيرة وهمومها؟، أجاب: “لم أكن في حياتي كلها في برج عاجي، وقد عشت مع الكثيرين من قاع المدينة، وأزعم أنني أحمل مشروعاً تنويرياً، ألخصه بضرورة إعادة قراءة التاريخ باستخدام العقل وتمحيص النقل، وقراءة تراثنا على ضوء الواقع الجديد والظروف الراهنة مستخدمين العلم ومعوّلين على مراكز الأبحاث وعلى تنشئة الفكر الحرّ وتنميته، وأهمية المحبة ومساعدة الناس في اكتشاف مواهبهم، والأخذ بيدهم إلى العمل والإنتاج، كما أنّ للقومية نصيبها في كتاباتي، فكنت أبغض الشوفينية والتعصب بكل صوره وكنت أقول إن القومية العربية هي إنسانية تفتح نوافذها الأربع لكل الجهات”.
وعن مبرّر وجود الشطحات الزمنية في رواياته، يتحدث ملوك: “كتبت الدكتورة سحاب شاهين بحثاً أكاديمياً عن رواياتي بعنوان “بنية الرواية وتقنيات السرد عند الروائي عبد الغني ملوك”، وبحث الدكتور وليد العرفي في كتابه “تقنية الخطاب اللغوي في القصة القصيرة والرواية عند عبد الغني ملوك” وقد أغني هذا الجانب بالدراسة والبحث، وأنا أقول إن الرواية ليست كتابة تاريخ، بل هي فن تلعب فيه شخصية الروائي دوراً كبيراً في مسيرة الأحداث، وكما قال أحد النقاد الغربيين “ستجد بين سطور الرواية شخصية صاحبها”، وأنا بحثت في الزمن الحاضر وأسقطته على الزمن الغابر وقلت إن سوق النخاسة لم يتغيّر في المضمون بل في الشكل، وقد دعوت في رواياتي إلى أن يكون للمرأة الحقوق والواجبات ذاتها كما للرجل، وأن مجتمعنا الذكوري قد ألحق فيها العنف والظلم الشيء الكثير، وأقول أيضاً إن مقتل الرواية هو الوعظ أو الكتابة بأسلوب تقريري، وكأن بعض الكتّاب يحرّرون ضبطاً في مؤسّسة ما، ومن خلال الحوار والوصف والانتقال السريع من حالة إلى حالة تشبهها أو مضادة لها نستطيع إقناع القارئ بالهدف الأساس من الرواية”.
وعن اقتحامه المحظورات في رواياته يقول ملوك: “نعم اقتحمت التابوهات الثلاثة التي يوصون الروائي بعدم الاقتراب منها، لكن اقتحامي كان مبرراً ومقنعاً بوصف ما هو كائن والانتقال إلى ما يجب أن يكون، لقد ندّدت بالفساد، وقلت أخشى أن يصبح منهج حياة، وندّدت بالفاسدين والمفسدين، وفي رواية “أحلام الذئاب” كان الوزير المرتشي يستورد الزيت والسكر من النوع الرديء ويتقاضى الثمن من الخزينة على أنه من النوع الأول وكانت النتيجة أن دفع الوزير حياته ثمناً لما اقترفت يداه”.