القوات اليمنية تعيد تعريف القوة الإقليمية
هيفاء علي
بعد أكثر من عام من الهجمات العدائية التي تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا على اليمن، قدم نائب وزير الدفاع الأمريكي بيل لابلانت رؤية جديدة حول أحدث تقييمات البنتاغون لقدرات القوات المسلحة اليمنية، في وقت يتزايد فيه الإجماع على أن القدرات العسكرية للقوة اليمنية تتجاوز بكثير التقديرات السابقة، مما يسمح لها بمواصلة الدفاع وصد الهجمات الغربية، ومواصلة الانتقال إلى الهجوم.
وتشمل ترسانة المقاومة اليمنية صواريخ يمكنها القيام “بأشياء لا تصدق”، بحسب وصف لابلانت، الذي أشار إلى أن ما فعلته المقاومة اليمينية خلال الأشهر الستة الماضية هو أمر مذهل.
وأكد مجدداً أن ترسانة المقاومة اليمينية “يمكن أن تفعل بعض الأشياء المدهشة للغاية”، مما يتيح توجيه ضربات ضد السفن الغربية البعيدة في البحر الأحمر، وكذلك ضد أهداف في “إسرائيل”. وبالإضافة إلى الصواريخ، استخدمت المقاومة اليمنية أيضاً بشكل فعّال الطائرات بدون طيار المتقدمة، بما في ذلك المنصات الغاطسة، والصواريخ الباليستية، وقد أثبتت قدراتها من خلال شن ضربات ناجحة ضد “إسرائيل”، ومن الأمثلة البارزة على ذلك هجومها في 15 أيلول الماضي الذي دمر محطة للطاقة لدى الكيان الصهيوني.
وفي 19 تموز، نفذت قوات المقاومة اليمينية بنجاح غارة بطائرة بدون طيار في وسط تل أبيب، مستهدفة منطقة قريبة من القنصلية الأمريكية ، تسببت في وقوع عدة إصابات. وبالإضافة إلى هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية، شنت المقاومة في السابق هجمات بصواريخ كروز ضد أهداف عسكرية إسرائيلية.
كيف يعيد اليمن تعريف القوة الإقليمية
إن الضربة الوقائية الجريئة التي نفذتها اليمن ضد القوات البحرية الأمريكية، والتي تم تنفيذها باستخدام أساليب استخباراتية متطورة، تظهر البعد الجديد لها في محور المقاومة، مع القدرة الفريدة على توفير درع الردع لتحالفه بأكمله، إذ يواصل الجيش اليمني المتحالف مع المقاومة المتمثلة في اللجان الشعبية، أحد الركائز الأساسية لمحور المقاومة، تعزيز موقعه في الحرب المستمرة في غرب آسيا، ويتجاوز عتبات جديدة في إظهار قوته وتعزيز دوره كقوة هائلة.
لقد أثبت اليمنيون قدرتهم على شن عمليات عسكرية متواصلة في البحر ضد السفن المرتبطة “بإسرائيل”، سواء الأمريكية أو البريطانية، وعمليات الصواريخ والطائرات بدون طيار التي تستهدف عمق “الأراضي الإسرائيلية”، وحتى استهداف حاملات الطائرات والمدمرات الأمريكية التي تتمركز في البحر الأحمر وبحر العرب وشمال المحيط الهندي.
في المقابل، تقوم القوات البحرية الأمريكية بعمليات جوية منتظمة ضد اليمن الذي مزقته الحرب، في محاولة لاعتراض جهود المقاومة والتأثير على تصميمها الاستراتيجي لدعم فلسطين ولبنان، حيث تظهر جرأة هذه العمليات التزام اليمن الثابت بدعم محور المقاومة، وأن يصبح أول عضو في المحور يواجه القوى العالمية بشكل مباشر.
وفي كل مرحلة، تمكنت المقاومة اليمينية من مفاجأة حلفائها وخصومها على حد سواء، وآخر مثال على ذلك هو الكشف عن خطط واشنطن لشن هجوم جوي واسع النطاق على أهداف يمنية، والتي أحبطتها بنجاح، ولم تكن هذه العملية استعراضاً للقوة العسكرية فحسب، بل كانت أيضاً رسالة ردع توضح أن أي عدوان على اليمن لن يمر دون رد.
القدرات الإستراتيجية للمقاومة اليمنية
يُظهر تعقيد وتنسيق هذه الضربات الصاروخية والطائرات بدون طيار قدرات التخطيط الاستراتيجي للمقاومة اليمنية، ذلك أن تنفيذ عملية مدتها ثماني ساعات ضد مثل هذه الأهداف الهائلة يتطلب عملاً استخباراتياً مكثفاً وتنسيقاً دقيقاً وتكنولوجيا متطورة، وهو ما يمثل شهادة على القدرات المتنامية للقوات اليمنية في الحرب التقليدية وغير المتكافئة.
ويسلط موقف صنعاء من عسكرة الطرق البحرية الضوء على نفوذها الاستراتيجي في السيطرة على بعض الطرق البحرية الأكثر ازدحاماً ونشاطاً في العالم. ومن خلال وضع نفسها كحامية لهذه الطرق ضد العدوان الخارجي، تعيد اليمن الكرة إلى ملعب خصومها، من خلال الاعتراض على وجودهم والتشكيك في حقهم في العمل بحرية في هذه المياه، وبعد ساعات من إعلان القوات المسلحة اليمنية عن العملية وتفاصيلها، اعترف البنتاغون جزئياً بالهجوم.
إن الحزم الذي تعارض به صنعاء علناً النسخة الأمريكية من الأحداث يسلط الضوء على تأثيرها الجديد في الاتصالات الإقليمية، وعزمها على تشكيل التصور الدولي للصراع، إذ أن الطبيعة الاستباقية لهذه العملية تنقل رسائل ذات معنى:
أولاً، وقبل كل شيء، فإنه يدل على قدرة المقاومة اليمنية على كشف الخطط العسكرية المعادية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ويشير هذا المستوى من جمع المعلومات الاستخبارية إلى أن صنعاء قد اخترقت مصادر المعلومات التي توفر تحديثات في الوقت الحقيقي عن تحركات العدو ونواياه.
ثانياً، إن تنفيذ هجوم وقائي يعني أن اليمن قادر على توقع الاستراتيجيات العسكرية والمناورة وصد الهجمات قبل أن تتحقق، وتضع هذه القدرة صنعاء في موقع استباقي وليس رد فعل، مما يمنحها ميزة إستراتيجية.
ثالثاً، تواصل القوات اليمنية تحسين قدراتها العسكرية والاستخباراتية، مما يشكل تحدياً للهيمنة الأمريكية في المنطقة، ويستمر هذا التحسن المطرد في تكنولوجيا الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار والمراقبة في الوقت الحقيقي في إعادة تشكيل التوازن العسكري في المنطقة.
رابعاً، تعتبر العملية بمثابة تحذير صارخ لأي شخص لديه نوايا عدوانية في المنطقة، خاصةً وأن الحرب في اليمن، المدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، لم يتم حلها بعد. ويظهر الهجوم الوقائي أن صنعاء لن تتردد في استخدام القوة لحماية سيادتها ومصالحها الإستراتيجية.
في السياق أكد العميد مجيب شمسان، الخبير العسكري اليمني، أن هذه الضربة غير المتوقعة بعثت برسائل عديدة إلى واشنطن، منها أن أيام محاولة الولايات المتحدة تأكيد نفوذها دون مواجهة تداعيات قد ولت، وأن قدرات صنعاء لم تعد دفاعية فحسب، بل امتدت إلى القتال ضد العدو، وخاصةً في البحر.
ولا يقتصر شمسان على نتائج العملية وتأثيرها على الولايات المتحدة وحدها، بل يرى أن بعض تداعياتها تطال أدوات واشنطن في المنطقة، وتحديداً من تلاعب بها لتحقيق أهدافها، وحذر شمسان من أن أولئك القادرون على تنفيذ عملية بحرية مدتها ثماني ساعات يمكنهم تنفيذ هجمات واسعة النطاق، محذراً من أي عدوان أمريكي جديد على القوات المسلحة اليمنية.
وأكد أن صنعاء لا تستخدم كل مواردها في وقت واحد، ولكنها تصعد تكتيكاتها تدريجياً، مما يشير إلى إمكانية نشر الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت في العمليات المستقبلية لإحداث أضرار جسيمة -كما حدث ضد تل أبيب -بدلاً من مجرد إصدار التحذيرات.
وبحسب مراقبين، يشير هذا التصعيد التدريجي إلى إستراتيجية مدروسة بدقة تترك العدو في حالة حيرة وتحافظ على عنصر عدم القدرة على التنبؤ، وبالتالي، فإن ما حققته الطائرات بدون طيار والصواريخ المجنحة يمكن تحقيقه بالصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، بتأثير مختلف يتجاوز التحذير وتعليق عمليات العدو، إلى توجيه وخطورة لحاملة الطائرات.
ويبدو أن الولايات المتحدة قد فهمت الرسالة جيداً، ولذلك حاولت سحب حاملة طائراتها على بعد كيلومترات. أما بالنسبة لصنعاء، دُفنت فكرة تهميش اليمن مع ثورة 21 أيلول 2014، التي وضعت حداً للنفوذ الأجنبي في عملية صنع القرار اليمني. كما أن دور اليمن في دعم القضايا الفلسطينية واللبنانية يعني أن “إسرائيل” وحلفائها لا يستطيعون تجنب الآثار المدمرة لهذه الحروب من خلال عمليات تحويل مثل “وقف إطلاق النار”، لأن ذلك لن يحل “المشكلة اليمنية”. عليه وبالرغم من التوتر الشديد الذي تشهده المنطقة العربية اليوم، فإن اليمن، الزعيم الاستراتيجي والقوي الآن للمحور، يحمل مفاتيح العديد من استراتيجيات المقاومة الإقليمية.