حكومة الأثرياء.. ترامب يكشف عن وجه أمريكا الحقيقي
سمر سامي السمارة
بعد وصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى سدة الحكم، تعهد ماسك وهو الرجل الأغنى في العالم، بخفض 2 تريليون دولار على الأقل من الميزانية الفيدرالية، معللاً ذلك بضرورة خفض الإنفاق للعيش في حدود الإمكانيات، وهو الأمر الذي ينطوي على بعض المشقة المؤقتة بحسب زعمه. ولكن في حين قد يكون إغراق المنطقة وتطهير الجمهوريين المتمردين في مجلس الشيوخ جزءاً من هذه الخطة، يرى مراقيون، أن خطة أكبر قيد التنفيذ، إذ يريد ترامب صرف انتباه الأمريكيين العاديين، بينما ينهب هو وزملاءه من المليارديرات أميركا.
ومع تعزيزه لسلطته، يتجه ترامب إلى إنشاء حكومة من المليارديرات ولصالح المليارديرات، إذ يعرف ترامب بشكل حدسي أن التحالف الأقوى والأكثر خطورة يكون بين الأوليغارشيين الأثرياء والزعماء الأقوياء المستبدين. ومع توليه قيادة فريقه الانتقالي، أعلن ترامب أن أغنى رجل في العالم “أيلون ماسك” بالإضافة إلى رجل الأعمال “فيفك راماسوامي” سيتولان إدارة قسم جديد للكفاءة الحكومية، وينتظر مليارديرات آخرون على أهبة الاستعداد لتولي مناصب مختلفة.
بحسب مراقبون، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية الآن موطناً لـ 813 مليارديراً نمت ثرواتهم التراكمية بنسبة مذهلة بلغت 50% منذ الجائحة، وعلى الرغم من ذلك، يزعم المدافعون عن هذه المبالغ المذهلة أنها ليست لعبة محصلتها صفر، حيث يتعين على بقية الأمريكيين الخسارة حتى يزدهر المليارديرات، بل على العكس من ذلك لأن إنجازات المليارديرات تعمل على توسيع الكعكة الاقتصادية للجميع.
ولكن المدافعين عن السلطة يتجاهلون أمراً مهماً، أنه كلما زادت السلطة في أيدي المليارديرات، قلت السلطة في أيدي الآخرين، ولا يمكن فصل السلطة عن الثروة، أو الثروة عن السلطة، فالهيجان المسعور الذي بدأ بالفعل في عهد ترامب من تخطيط لمزيد من التخفيضات الضريبية للأثرياء، والتراجع التنظيمي لجعل الأثرياء وشركاتهم أكثر ثراءً، ودعم الأثرياء ومؤسساتهم، يشكل لعبة محصلتها صفر، ولابد أن يلحق الضرر بالأميركيين العاديين، فالتخفيضات الضريبية الوشيكة سوف تؤدي إلى تفجير الدين الوطني، ونتيجة لهذا، سوف تضطر بقية أميركا إلى دفع المزيد من أقساط الفائدة لحاملي هذا الدين، أي الأثرياء.
من المؤكد، أن مثل هذه الأمور ستتطلب من الطبقة المتوسطة والطبقة العاملة إما أن تدفع ضرائب أعلى أو تضحي ببعض المزايا التي تعتمد عليها، مثل الضمان الاجتماعي، والرعاية الصحية، وقانون الرعاية الميسرة. وفي غضون ذلك، ستؤدي التراجعات التنظيمية إلى جعل أماكن العمل أقل أماناً، والمنتجات أكثر خطورة، والهواء والمياه أكثر تلوثاً، والمعاملات المالية أكثر خطورة بالنسبة للأشخاص العاديين.
لقد استعان ترامب بإيلون ماسك، الذي استثمر قرابة الـ 130 مليون دولار لدعمه، وبالمدير التنفيذي السابق للأدوية فيفيك راماسوامي، لقيادة إدارة “وزارة كفاءة الحكومة”. يطلق ماسك على الوزارة الجديدة اسم “دوج”، وهو اسم العملة المشفرة المفضلة لدى ماسك، والتي ارتفعت قيمتها- ليس بالمصادفة طبعاً- منذ بدأ ماسك في استخدام اسمها لوزارته الناشئة، ويبدو الآن أن “دوج” لن تكون “وزارة” فعلية ولكنها مجموعة استشارية قوية خارج الحكومة الرسمية، ولكن داخل البيت الأبيض لترامب، حيث يعلن ماسك، ما يصفه حلفاء بأنه أيديولوجيات تجارية تهدف إلى تفكيك البيروقراطية الحكومية، متعهداً بخفض ما لا يقل عن تريليوني دولار من الميزانية الفيدرالية.
من المؤكد إذاً، أن المصاعب المترتبة على ذلك لن يتحملها ماسك، ولا ترامب، ولا المليارديرات الذين يرأسون فريق انتقال ترامب، ولا المليارديرات الذين سيستفيدون من التخفيضات الضريبية المخطط لها والتراجعات التنظيمية، وليس الأشخاص الذين يستجيبون لمنشور ماسك الأخير عبر منصة “إكس”، والذي دعا من خلاله عن فتح باب التقدم لوظائف خاصة بثوريين فائقي الذكاء على استعداد للعمل أكثر من 80 ساعة في الأسبوع مجاناً لخفض التكاليف غير الضرورية، بل سيتحملها من هو خارج هذا السرب.
يقول ماسك: “علينا أن نخفض الإنفاق لنعيش في حدود إمكانياتنا. إمكانيات من؟”. منذ فوز ترامب في الانتخابات في 5 تشرين الثاني، أصبح ماسك نفسه أغنى بمقدار 70 مليار دولار بسبب ارتفاع قيمة مشاريعه، حيث ارتفعت قيمة شركات ماسك – تيسلا، وسبيس إكس، وإكس، بشكل كبير، لأن المستثمرين يتوقعون انتهاء بعض أو كل التحقيقات الفيدرالية والدعاوى القضائية الجارية ضد شركات ماسك، وهي دعاوى قضائية تتعلق بانتهاكات لقانون الأوراق المالية، وسلامة مكان العمل، وانتهاكات حقوق العمل والحقوق المدنية، وانتهاكات القوانين البيئية، والاحتيال على المستهلك، وعيوب سلامة المركبات.
في السياق، حقق مليارديرات آخرون ممن دعموا ترامب في فوزه أرباحاً طائلة، حيث يعد مؤسس “أوركل” لاري إيلسون، ثاني أغنى شخص في العالم – وهو صديق مقرب من ماسك وعضو سابق في مجلس إدارة تسلا – من أكبر الرابحين، فقد زادت قيمة أسهم “أوركل” بنسبة 10٪، مما زاد من ثروة إيلسون بنحو 20 مليار دولار.
كما يتوقع ملياردير رأس المال الاستثماري مارك أندريسن، الذي تبرع بما لا يقل عن 4.5 مليون دولار للجنة عمل سياسي تدعم ترامب، أن يستفيد من تخفيف ترامب لحملة مكافحة الاحتكار على شركات التكنولوجيا الكبرى، والتي استثمر فيها أندريسن بكثافة، وقد تم بالفعل تحقيق رغبة أندريسن، فقد حصدت شركات التكنولوجيا الكبرى معظم مكاسب سوق الأسهم منذ يوم الانتخابات.
كم، منذ الانتخابات، يحتفل الرؤساء التنفيذيون لشركات الوقود الأحفوري الذين دفعوا ملايين الدولارات لترامب على أمل الحصول على عائد كبير في شكل تراجع عن اللوائح البيئية.
في الواقع، إن قائمة المستفيدين الأثرياء من انتخاب ترامب تطول وتطول، فمن سيعاني من “الصعوبات” التي يتوقعها ماسك؟.
إذا كان التاريخ دليلاً، فلا يوجد حد للجشع الذي قد يصل إليه هؤلاء الأوغاد عندما تسنح لهم الفرصة، بدلاً من ذلك، سوف يرغب ماسك في خفض إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار، وقوانين الأوراق المالية، وقوانين سلامة مكان العمل، وقوانين العمل، وقوانين الحقوق المدنية، والقوانين ضد الاحتيال الاستهلاكي، والقوانين التي تلزم سلامة المركبات، وقوانين الضرائب، والقوانين البيئية.
ولأنه “لا يوجد” مكان آخر للعثور على أي شيء قريب من تريليوني دولار التي وعد بخفضها من الميزانية الفيدرالية، من المتوقع أن يتجه ماسك إلى خفض مزايا الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، وهنا تكمن الحيلة.
في الواقع، كانت دائماً العلاقة وثيقة في أمريكا بين الثروة والسلطة، ولكن عادة ما كان يُعتقد أنها مخجلة بعض الشيء – شيء يجب إخفاؤه أو تجاهله- ومن هنا فإن الساسة الأميركيين عادة ما يبالغون في إظهار أصولهم المتواضعة، ويحاول الرؤساء التنفيذيون والمصرفيون التقليل من نفوذهم السياسي.
ويمتنع الأثرياء عن إظهار قوتهم علانية، ولكن في العصور الذهبية – مثل تلك التي هيمنت على مطلع القرن العشرين والتي نعيشها الآن – يتخلى أصحاب الثراء الفاحش عن مثل هذا التواضع، وتصبح الروابط بين الثروة والسلطة واضحة للجميع ويصبح الاستهلاك المفرط خادماً للنفوذ المفرط.
في مثل هذه الأوقات، يتفاخر الأثرياء بقدرتهم على الوصول إلى السياسيين، ويتحدثون بصراحة عن عشرات الملايين من الدولارات التي تبرعوا بها للحملات الانتخابية، وعن العائد على هذه الاستثمارات، ويريدون أن يعرف الجميع كيف حولوا ثروتهم إلى نفوذ، ونفوذهم إلى مزيد من الثراء. في نهاية المطاف، تذهب هذه الإهانات لـ”لديمقراطية” – التي قدمها الأوليغارشيون الجدد بلا خجل وبصراحة وبغطرسة – إلى أبعد من اللازم.