دراساتصحيفة البعث

هل تساعد مجموعة العشرين في معالجة التحديات العالمية المشتركة؟

عائدة أسعد

إن الصراعات التجارية المتزايدة، وخاصةً تلك التي تحرض عليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي، حيث شهدت السنوات الأخيرة انتشار التعريفات الجمركية والعقوبات الحمائية، التي تعطل شبكات الإنتاج العالمية وتكسر الصناعة وسلاسل التوريد والقيمة.

لقد استمرت الولايات المتحدة، المحرض الرئيسي للحروب التجارية، في تصعيد التوترات ليس فقط في التجارة، ولكن أيضاً في مجالات أخرى، وتدهورت العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة منذ عام 2018، عندما شن الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب حربا تجارية ضد الصين.

ولم تستمر إدارة جو بايدن في فرض التعريفات الجمركية في عهد ترامب فحسب، بل زادتها أيضاً وعلى وجه الخصوص، حيث شهد هذا العام فرض الإدارة الأمريكية سلسلة من التعريفات الجمركية الجديدة على المنتجات الصينية.

وفي 14 أيار الماضي، استشهدت الإدارة بالمادة 301 من قانون التجارة الأمريكي لعام 1974، معلنةً عن تعريفات جمركية جديدة على الصناعات الإستراتيجية الصينية، وتشمل هذه التعريفات رفع التعريفات الحالية على الصلب والألمنيوم إلى 25 في المائة، وعلى المركبات الكهربائية من 25 في المائة إلى 100 في المائة، وعلى بطاريات الليثيوم ومكونات البطاريات من 7.5 في المائة إلى 25 في المائة، وعلى الألواح الشمسية من 25 في المائة إلى 50 في المائة، وعلى أشباه الموصلات من 25 في المائة إلى 50 في المائة.

كما انضم الاتحاد الأوروبي مؤخراً إلى المعركة بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 45.3 في المائة على المركبات الكهربائية المصنوعة في الصين، مما أدى إلى زيادة التوترات بين الإقتصادين الرئيسيين، وتهديد زعزعة استقرار التجارة الدولية ووقف النمو الاقتصادي العالمي.

ويسلط أحدث تقرير لمنظمة التجارة العالمية الضوء على كيف أدت الاتجاهات العالمية – المنافسة الجيوسياسية والصراعات الإقليمية والعقوبات التجارية – إلى تآكل الأساس المستقر للنمو الاقتصادي العالمي على مدى السنوات الثلاثين الماضية، مما أدى إلى تفتت نظام التجارة العالمي. ووفقاً لبيانات منظمة التجارة العالمية، بلغ تصدير السلع العالمية في عام 2023 حوالي 23.8 تريليون دولار، بانخفاض 4.6 في المائة بعد عامين من النمو، حيث يمثل هذا الاتجاه أبطأ معدل نمو في خمسة عقود، وذلك عدا عن فترات الركود العالمية.

لقد أدت التعريفات الجمركية العقابية التي فرضتها الولايات المتحدة على المنتجات الصينية إلى تعطيل التدفق الطبيعي للتجارة والاستثمار والتكنولوجيا، مما أدى إلى سوء تخصيص الموارد بشكل حاد، وإلحاق الضرر بالقيمة العالمية وسلاسل التوريد, والضغط على الصناعة العالمية، فعلى سبيل المثال ووفقاً لاتحاد الصين للوجستيات والمشتريات، انخفض مؤشر مديري المشتريات التصنيعي العالمي في تموز إلى 48.6% ، مسجلاً الشهر الرابع على التوالي تحت عتبة 50% مما يشير إلى الانكماش.

ويظهر التاريخ أن التوترات التجارية المطولة تثقل كاهل النمو الاقتصادي العالمي فخلال فترة الكساد الأعظم، في عام 1929، فرض الرئيس الأمريكي آنذاك هربرت هوفر تعريفات جمركية على الواردات الزراعية، وبعد عام واحد زاد الكونغرس من سوء الوضع من خلال تمرير قانون تعريفة سموت-هاولي، الذي رفع الرسوم الجمركية على أكثر من 20 ألف سلعة، حيث وصلت المعدلات إلى ما يقرب من 60٪ وقد دفع هذا أكثر من 40 دولة إلى فرض تعريفات جمركية انتقامية على السلع الأميركية، مما أشعل حرباً تجارية عالمية أدت إلى خفض حجم التجارة العالمية بنسبة 66% والناتج الصناعي العالمي بنسبة 33% في عام 1934، ما دفع الاقتصاد العالمي إلى حافة الانهيار.

إذا استمرت حروب التعريفات في التصاعد اليوم، فقد يعاني الاقتصاد العالمي من ضربة مدمرة مماثلة، وإذا استمرت الولايات المتحدة في الحفاظ على التعريفات الجمركية أو حتى فرضها على السلع الصينية، فإن مثل هذه التحركات ستجر المزيد من الإقتصادات إلى صراع اقتصادي مدفوع بالتعريفات الجمركية، مما يجعل كل منها ضحية محتملة للحرب التجارية.

لقد أصبح الحفاظ على نظام التجارة العالمي المتعدد الأطراف تحدياً مشتركاً للدول الداعمة للتجارة الحرة، وفي مواجهة تصاعد الحمائية والأحادية، ويتعين على مجموعة العشرين -التي تأسست كآلية تنسيق لمساعدة العالم على التغلب على الأزمات المالية- أن تتبنى نهجاً متعدد الأطراف قائماً على القواعد.

وتجدر الإشارة إلى أن مجموعة العشرين لعبت دوراً حاسماً في التغلب على الأزمات المالية، وتحسين أنظمة التجارة والاستثمار العالمية، وقد عقدت قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو في ظل ظروف استثنائية، ولذلك فإن معالجة النزاعات التجارية وتعزيز دور مجموعة العشرين كقناة أساسية للتعاون الاقتصادي الدولي تشكل تحديات معقدة يتعين التغلب عليها، ومع الحضور المتزايد للاتحاد الأفريقي وغيره من تحالفات الجنوب العالمي التي حاولت المشاركة في مجموعة العشرين، كان هناك طلباً ملحاً على القمة لتقديم حل قوي وشامل للمشاكل الاقتصادية العالمية وتحسين حوكمة التجارة العالمية.