“مدد” وموشحات وقدود بصوت محمود الحداد
ملده شويكاني
مضناك جفاه مرقده
وبكاه ورحم عوده
حيران القلب معذبه
مقروح الجفن مسهده
قصيدة أحمد شوقي “مضناك جفاه” ألحان محمد عبد الوهاب من مقام الحجاز، غناها محمود الحداد بصوته الطربي الشجي في الأمسية التي قدمها بدار الأوبرا، وقد حملت اسم “مدد” بمشاركة الكورال والفرقة الموسيقية المؤلفة من آلات التخت الشرقي (العود والقانون والناي)، بالإضافة إلى الإيقاعيات المنوعة الشرقية والغربية مع الكمان والتشيللو والغيتار، وكان للبيانو ـ العازف أغيد منصور- دور مرافق في غالبية المقطوعات، أما الدور الكبير فكان للناي لكون الأمسية التزمت بالأعمال الصوفية والموشحات والقدود الحلبية والقصائد العاطفية والأغنيات الدمشقية البسيطة، كما أخذ الكمان ـ العازف المثنى علي- دوره كصولو ومرافقة، وكذلك القانون.
وتميزت الأمسية بتخصيص مساحة كبيرة للكورال ولاسيما بالموشحات في القسم الأول من الأمسية، بمشاركة المطرب الحداد ومن ثم الغناء الفردي له والمرافقة في مواضع، والملفت أنه في كل أمسية يقدمها يحقق نجاحاً جديداً ويحظى بمحبة جمهوره الكبير تقديراً لفنّه وصوته الطربي وغنائه بالفصحى لأجمل الموشحات والقصائد، ولحضوره القوي على المسرح، فغنى موشح أيها الساقي:
أيها الساقي إليك المشتكى
قد دعوناك وإن لم تسمع
ونديم همتُ في غرته
وشربتُ الراح من راحته
ومن مقام النهاوند وألحان السيد درويش من الشعر القديم غنى موشح “منيتي عزّ اصطباري” بدور الناي مع ترديد الآهات وآمان ومضت الألحان مع الفرقة الموسيقية في الفواصل:
منيتي عزّ اصطباري
زاد وجدي والهيام
من لحاظك كم أداري
من سيوف مع سهام
وإلى موشح “يا شادي الألحان” كلمات وألحان سيد درويش وقد سُبق بصولو القانون ومن ثم اللحن الإيقاعي مع الناي والقانون.
يا شادي الألحان.. آه أسمعنا.. رنة
العيدان
يالا للي يالالاآه يالاللي
وتألق عزف المثنى علي بصولو الكمان بالمقدمة التمهيدية لفاصل “اسق العطاش” مع مرافقة خافتة للبيانو، بالتوزيع الغنائي بين الغناء الفردي للحداد والغناء الجماعي للكورال:
مولاي أجفاني جفاهن الكرى
والشوق لاعجه بقلبي خيّما
ليصل إلى المقطع: يا ذا العطاء
يا ذا الوفاء
يا ذا الرضا
يا ذا السخا
اسق العطاش تكرما
ومن ثم وصلة حجاز سُبقت بصولو العود، منها “ميلي ما مال الهوى” إلى القدود الحلبية “ابعتلي جواب جواب وطمني” رائعة صباح فخري من مقام بياتي ألحان بكري الكردي، وتصاعد الألحان الإيقاعية بتفاعل الجمهور، ليصل إلى مقطع “واصبر على طول على أحزاني” الذي كرره بدرجات مقامات صوته وامتدادات “على طول”، وزاد تفاعل الجمهور بأغنية “آه يا حلو” التي غناها بأداء رائع وخاصة بالقفلة “ما بنام”.
ولم تقتصر الأمسية على الغناء، إذ شاركت الموسيقا الآلية بقالب السماعي وهو قالب موسيقي مؤلف من أربع خانات يعزف بعد كل خانة التسليم وهو اللحن المتكرر، فعزفت الفرقة “سماعي هزام”، والأجمل كان البشرف وهو أقل القوالب العثمانية شيوعاً، ويبنى على النمط ذاته فيؤلف من أربع خانات بعد كل خانة تسليم، لكنه يكتب على إيقاع واحد يشمل المقطوعة كلها، ويكون من الإيقاعات الطويلة مثل المخمس، فعزفت الفرقة “بشرف فرحفزا” من مقام النهاوند ومن ألحان إسماعيل حقي بيك، واتسمت بجمالية تأثيرها اللحني بدور الكمان والبيانو والناي مع الفرقة ككل.
الأمسية التي حملت بعداً عميقاً بطلب العون والمدد من الله عزّ وجل بالمعنى المباشر والمدد بمعناه غير المباشر بالتقارب الإنساني والتآخي بما يحدث في ظل الأوضاع الصعبة في غزة ولبنان، اختُتمت بالغناء الوطني لأغنيات غناها سوريون ولبنانيون “قلعة أمجاد العرب” و”فوق ترابك يا سورية”، “وبحروف النور انكتب اسمك بالعالي سورية”، و”راياتك بالعالي”.