في ذكراه.. قرار التقسيم باطل
د. معن منيف سليمان
يوافق غداً الجمعة 29 من تشرين الثاني، ذكرى تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1947 خطة تقسيم فلسطين إلى دولتين، إحداهما عربية والأخرى يهودية، فيما عُرف بالقرار الأممي رقم 181 “قرار التقسيم”. وكانت فلسطين آنذاك تحت الانتداب البريطاني الذي استمر حوالي ثلاثة عقود (1920- 1948)، وقد نصّ القرار الأممي على إنهاء الانتداب. وفي ظلّ الإجراءات الإسرائيلية وانسداد أفق الحل السياسي، تبقى المقاومة المسلحة هي الحل الوحيد لاستعادة الحقوق وتحرير الأرض.
وتعود أصول قرار التقسيم إلى عام 1937، حين أصدرت “لجنة بيل”، المُكلفة من بريطانيا في تقصي أسباب الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، تقريرها الذي ورد فيه لأول مرة مقترح التقسيم، واقترحت اللجنة حينها التهجير الإجباري للسكان العرب من أراضي الدولة اليهودية المنشودة.
وبموجب قرار التقسيم، فإن اليهود الذين لم يتجاوز عددهم ثلث السكان ولم يمتلكوا سوى 7 بالمئة من الأراضي، مُنحوا ما يقارب عن 56 بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية (27 ألف كيلو متر مربع). ومُنح العرب، وفق القرار، أقل من 44 بالمئة على الرغم من امتلاكهم غالبية الأراضي.
وتضمّ الدولة اليهودية المقترحة (على مساحة 5 آلاف و700 ميل مربع)، السهل الساحلي من حيفا حتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي، بما فيها بحيرة طبريا، وأصبع الجليل، وصحراء النقب.
فيما تضمّ الدولة العربية (على مساحة 4 آلاف و300 ميل مربع)، الضفة الغربية ومنطقة الجليل الغربي، وعكا، والساحل الجنوبي من شمال مدينة أسدود حتى رفح جنوباً، إضافة إلى جزء من الصحراء المحاذية لمصر.
أما مدينتا القدس وبيت لحم، فنصّ القرار على إنشاء كيان منفصل في نطاقهما تحت حكم دولي خاص، تقوم على إدارته الأمم المتحدة.
ومنذ إقرار التقسيم اعتمدت سياسة القادة الصهاينة على التوسّع، وقد ساعدتهم ظروف التجزئة والضعف والتبعية التي كان يعيشها الوطن العربي، ولاسيما بعد إعلان قيام الكيان الصهيوني عام 1948، حيث تمكّنت العصابات الصهيونية المسلحة من توسيع الرقعة المخصّصة لهم بالتقسيم، فاحتلوا مناطق خارجها وبعض المدن والقرى العربية، وحسّنوا موقعهم، ووسّعوا حدود منطقتهم حتى بلغت مساحة الأرض التي أقاموا عليها كيانهم نحو /75/ بالمئة من مساحة فلسطين، وذلك بعد عدوان 1956، وعدوان 1967.
إن قيام “دولة يهودية” على أرض فلسطين العربية يعني بالضرورة ترحيل أكثر من نصف سكان فلسطين عن أرضهم ومنازلهم، عن مدنهم وقراهم، ويعني أن يجري الترحيل قسراً بالمذابح والقوة العسكرية. وقد أكدت تصريحات زعماء الصهيونية بمن فيهم “ثيودور هرتزل” على الترحيل والمذابح، فقد جاء في كتاب (دولة اليهود) لهرتزل، الصادر قبيل مؤتمر بال عام 1897، قوله “عندما سنقيم دولتنا لن نلجأ إلى ما قام به الأوروبيون عندما أقاموا دولهم، فلن يحمل أحد منا رمحاً أو سيفاً ليطارد (الدببة)، علينا أن ننشئ جهازاً كفؤاً يجمع جميع الحيوانات وبضربة واحدة يقضي على جميع هذه الوحوش”.
وبالنسبة للموقف العربي فقد أعلنت “الهيئة العربية العليا” رفضها القاطع لمشروع التقسيم، وكذلك استنكره العرب جميعاً في مختلف الأقطار العربية، وجرت معارك دموية بين العرب واليهود الصهاينة في فلسطين، إثر إقرار الهيئة العربية العليا باعتبار يوم 29 تشرين الثاني عام 1947، يوم حداد، واستمر الشعب العربي الفلسطيني في المقاطعة والإضراب، واجتمعت حركات التحرّر العربية على ضرورة النضال من أجل الاستقلال الكامل وإلغاء التقسيم.
إن أرض فلسطين هي ملك للشعب العربي في فلسطين، ومن المتفق عليه عرفاً وقانونياً أن أرض الوطن لا يجوز التنازل عنها أو عن أي جزء منها، ولا يملك أي حاكم أو قائد أو زعيم حق التنازل عن أي جزء من أرض الوطن. ولهذا فإن المقاومة المسلحة تبقى ضرورية، وهي الوسيلة الوحيدة للحفاظ على حقوق الشعب العربي في فلسطين المحتلة، والفارق كبير جداً بين أن يُفرض على الشعب العربي قرار التقسيم بالقوة وبين أن يقبل به باختياره، وعلى أية حال تبقى المقاومة هي الحلّ الأنجع لمنع التقسيم وإزالة الاحتلال.