دراساتصحيفة البعث

فيتو أمريكي خامس يؤيِّد استمرار الحرب ضد الفلسطينيين

ريا خوري

ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن الدولي لوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة.

قبل أيام أقدمت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على استخدام حقّ النقض ضد قرار مجلس الأمن الدولي للمرة الخامسة، وهذا كان سبب الرهان الخاسر على إدارة بايدن وخاب أمل المتفائلين بنهاية إدارة بايدن في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض وتسليم السلطة إلى الرئيس الجمهوري دونالد ترامب. فقد أكّدت الولايات المتحدة دون أي تردّد أنها ستواصل دعمها لحرب الإبادة الجماعية، وعمليات التطهير العرقي التي تمارسها قوات العدو الصهيوني في قطاع غزة. وكان حقّ النقض (الفيتو) الخامس الذي استخدمته الولايات المتحدة في مجلس الأمن بالضد من الأعضاء الأربعة وعشرين الآخرين في المجلس، الدائمين والمنتخبين، هو ضوء أخضر جديد للكيان الصهيوني كي يمضي قُدُماً في حربه البشعة على الشعب الفلسطيني إلى ما لا نهاية. فقد طالب مشروع القرار بوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار، وانسحاب قوات العدو الصهيوني بشكلٍ كامل من قطاع غزة. هذا القرار اصطدم بالفيتو الأمريكي، خاصة وأنّه تعرّض للعديد من التعديلات كي تقبل به الولايات المتحدة قبل طرحه على التصويت في مجلس الأمن الدولي، إلا أنها لم تتراجع رغم تصويت الدول الأربع عشرة الباقية لصالح القرار.

الموقف الأمريكي الداعم للكيان الصهيوني واستخدامه حق النقض أثار استنكار عدد كبير من دول العالم، فقد أعربت أكثر من دولة عن أسفها لعدم تمكّن مجلس الأمن الدولي من اعتماد قرار يطالب بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وخاصة بعد مرور أكثر من أربعمئة يوم من التدمير والقتل والحرق والخراب في القطاع، وتوسَّع رقعة النزاع ليطال جميع أنحاء المنطقة.

المؤسف أن الفيتو الأمريكي ترافق مع موقف عدد كبير من دول العالم المخزي والتزامه الصمت، ليس هذا فحسب بل أغدقت العديد من الدول على الكيان الصهيوني بأسلحتها الفتاكة والتي تمّ استخدامها ضد الأبرياء والمدنيين من أطفال ونساء وشيوخ لتزيد من عملية الإبادة الجماعية وعمليات التطهير العرقي، لقد اعتبر ليو جييي المندوب الصيني في مجلس الأمن الدولي أنَّ الولايات المتحدة (دمَّرت بموقفها في مجلس الأمن الدولي آمال أهالي غزة، والتاريخ لن ينسى ذلك أبداً)، كما أنَّ حق النقض (الفيتو) جاء على الرغم من أن خمسة وأربعين ألف شخص قتلوا في قطاع غزة، كما اتهم المندوب الصيني الولايات المتحدة بتزويد الكيان الصهيوني بالأسلحة الفتاكة المحرمة دولياً كالفوسفور الأبيض.

لم يقف الموقف الأمريكي عند هذا الحدّ، بل عملت الولايات المتحدة على البحث الدائم عن المبرّرات الواهية لها، فيما اتهم فاسيلي نيبينزيا المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي الذي امتنعت بلاده عن التصويت على القرار، أن لدى روسيا الاتحادية أسئلة تتعلق بمشروع القرار الأمريكي. وأشار نيبينزيا إلى الغموض الذي يكتنف الموافقة الرسمية من الكيان الصهيوني على وقف إطلاق النار، مؤكداً أنَّ الولايات المتحدة المسؤولة عن قتل المدنيين في قطاع غزة، فالموقف الأمريكي الداعم للكيان الصهيوني في مجلس الأمن الدولي واستخدام (الفيتو) هو رسالة واضحة وصريحة للكيان الصهيوني بالاستمرار في حرب الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم الحرب والعقاب الجماعي والتطهير العرقي مع الإفلات من العقاب، والتمتّع بالحصانة، وانتهاك القانون الدولي الإنساني، وهو الموقف الذي أشاد به مندوب الكيان الصهيوني في مجلس الأمن الدولي جلعاد إردان وزير الأمن الداخلي السابق في الكيان الغاصب، الذي اعتبر أنَّ الولايات المتحدة وقفت إلى جانب (العدالة)، في حين (خان بقية الأعضاء واجبهم تجاه الكيان).

من جانبها أعربت فرنسا، عن خيبة أملها من (الفيتو) الأمريكي، وهي التي صوّتت لصالح القرار، إذ قال نيكولا دي ريفيير ممثل فرنسا لدى الأمم المتحدة: “هناك حاجة واضحة وملحّة لتنفيذ وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار. هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان الأمن والأمان وحماية جميع المدنيين وإيصال المساعدات الطارئة على نطاق واسع ودون عوائق أو موانع”.

لقد أثبتت الولايات المتحدة أمام العالم شراكتها في حرب الإبادة البشعة ضد الشعب العربي الفلسطيني، وأنَّ الموقف الأمريكي هذا يلغي إرادة المجتمع الدولي، خاصة وأن الفيتو تزامن مع قرار مجلس الشيوخ الأمريكي برفض مشروع قانون تقدّم به السيناتور بيرني ساندرز المستقل بوقف بيع بعض الأسلحة للكيان الصهيوني بأكثرية تسعة وسبعين صوتاً مقابل ثمانية عشر صوتاً، وهو تعبير عن موقف الرافضين لسياسة إدارة جو بايدن ضد الشعب الفلسطيني، غير متناسين ما قامت به الولايات المتحدة من إجبار عدد من الدول الأعضاء في المجلس على تعديل مشروع القرار مراراً، وخاصة التخلي عن النقطة المتعلقة بـ(الفصل السابع) من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يوفر الإطار الذي يجوز فيه لمجلس الأمن الإنفاذ. ويسمح للمجلس أن يقرّر ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، وأن يقدّم توصيات أو يلجأ إلى القيام بعمل غير عسكري أو عسكري لحفظ السلم والأمن الدوليين، فقد استبدلت الولايات المتحدة الفصل السابع بعبارة: “المسؤولية الرئيسية للمجلس في ما يتعلق بدعم الأمن والسلم العالميين” بناء على اقتراح المملكة المتحدة، وإصرار نائب المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة روبرت وود على عدم المساواة بين قضية الرهائن والأسرى الفلسطينيين، وضرورة إطلاق سراح الرهائن  على الفور.