رأيصحيفة البعث

سورية ستنتصر وخريفهم سينقلب ربيعاً

بشار محي الدين المحمد

لم يكن مُستغرباً أو غير متوقع ذاك الهجوم الوحشي للإرهابيين على حلب الآمنة، واستهداف شعبها الصامد ورموزها الثقافية وعلى رأسها جامعتها وقلعتها، ولم يكن خافياً أيضاً أنه جرى بضوء أخضر وبأمر عملياتي صهيوني – تركي، بعد أن جهّزوا تلك الجماعات بالعربات والسيارات رباعية الدفع والمدافع والمسيّرات التي تعمل على قمر “ستار لينك”.. فذلك كان نتيجة حتميةً لتلاقي مصالح الأطراف الثلاثة وأوهامهم.

لقد جعل أردوغان من دعم الإرهاب في سورية أداةً لتنفيذ سياساته الخارجية، وطريقةً لتقديم أوراق اعتماده لدول الـ”ناتو” التي تستعد لمغادرة المنطقة، آملةً في إيجاد قوى تفوقها قذارةً في ملئ ذاك الفراغ.

أما نتنياهو، فقد أعلن صراحةً ثأره الشخصي ضدّ سورية شعباً وقيادةً لأنها خيبت ظنونه وأوهامه في “التخلّي” عن تأييد المقاومة مهما حاك ضدها مع شركائه من مؤامرات ومخططات واستهدافات واغتيالات، حيث أراد أن يترجم تهديدات ورسائل الإدارة الأمريكية الجديدة، واهماً أن “لا صوت يعلو فوق صوت تهديدها” للشرق الأوسط، كما تعتبر “إسرائيل” تحركات هذه الجماعات المتطرّفة ضالة لها، وإراحة لمجرمي حربها من مزيد من تهم الإجرام والإبادة ومذكرات التوقيف الجنائية الدولية، إذ يمكنها عبرهم ودون أدنى مسؤولية، اغتيال قيادات أمنية وعسكرية، وتنفيذ مخططات التطهير العرقي والمذابح وغيرها من فصول حربها الديمغرافية في المنطقة، والتي بدأتها تلك الجماعات فعلياً على الأرض، وإن جلبت معها بعض ما سمتهم بـ “إعلاميي الثورة”، لتجميل صورتها وسحنها القبيحة في نظر العالم برمته، عبر بثّ بعض الأضاليل و”الأحاسيس” المفتراة.

إن أساس المخطط هو الضغط على سورية كقلعة للمقاومة، وما جرى من محاولات تمدد لقطعان “القاعدة” نحو حماة ما هو إلا تجاوز لمخططات مشغليها التي توقفت فعلياً قبل هذا الحدّ.

نعم، إن سورية وجميع الحلفاء لم يفاجئهم ما حدث رغم زخم الهجوم والإجرام الذي حمله، ولم تخطئ مع حلفائها في اتفاقيات خفض التصعيد، لأنهم بالنهاية حاولوا التفاوض بالسياسة والمحافظة على حجم اندفاعة القوات التي حرّرت أجزاء شاسعة عبر الجغرافيا السورية من رجس الإرهاب، وكان لا بدّ من التوقف ولو مؤقتاً. وما جرى في حلب أيضاً كان في حساب كل هذه القوات، ولكن كان لا بدّ من إعادة انتشار لكافة القوات التي لو تلقت الضربة الكبرى ومنيت بخسائر كبرى وهي في مواقعها إبان ذاك الجنون الإرهابي الكبير، لما كانت تتجهز وتتحضر الآن لشنّ الهجوم المعاكس بكل قوة وعنفوان.

إن هذا الخريف العربي “بنسخته الثانية” لن يكون أقل فشلاً من “الأولى”، والشعب السوري بكافة شرائحه وثقافاته ونسيجه – مهما أرهقته الأزمة وأنهكه الحصار – لطالما لم يقرّر ترك أرضه، فسيقاتل كلٌ من جبهته، ويساعد كلٌ من موقعه، على التصدي لتلك القطعان الضلالية، لأن صراعه معها- كما هو راسخ في الأذهان- هو صراع وجود، إذ تلك الجماعات لا يمكن بأي شكل من الأشكال التعايش معها، أو التنازل لها، وقدر الناس هو القتال لا محالة.

أمام كل تلك المعطيات، وما يضاف إليها مما حدث من اقتناع عربي وعالمي بحقيقة أن ما جرى ويجري في سورية ليس صراعا سياسيا، بل حرب على الإرهاب، فإن سورية ستنتصر، وخريفهم سينقلب ربيعاً على أرضنا التي لطالما روتها أطهر وأذكى الدماء.