“الثقافة والإعلام ضرورة التكامل والارتقاء “.. في ندوة فكرية
تحت عنوان “الثقافة والإعلام ضرورة التكامل والارتقاء” أقام فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب في الأمس ندوة فكرية في مقر الفرع بإدارة د.إبراهيم زعرور، بدأت الندوة بحديث د.عيسى الشماس الذي ركز على مفهوم الإعلام وطبيعته، فالإعلام كما يراه هو الإخبار، إي إيصال المراد إلى الأشخاص المقصودين، وهو وسيلة لتزويد الناس بالأخبار والمعلومات والحقائق التي تساعدهم في تكوين فكرة أو رأي، كما أنه الاتصال بالرأي العام والتأثير فيه، ويقوم بإيصال الرسائل التي تنقل الثقافة إلى جمهور عريض لتنمية اتجاهات وأنماط سلوكية معينة.
وبين الشماس أن العلاقة بين الإعلام والثقافة تنطلق من دور الإعلام في التنميط الثقافي الذي يتم باستغلال ثورة الاتصالات العالمية، فالإعلام بلغ ذروة من الأهمية والخطورة في آن معاً، لما له من تأثير بالغ في تأليب الرأي العام حتى على الثوابت الاجتماعية والفكرية والمفاهيم المختلفة، فالمضمون الثقافي الذي تحمله الوسيلة الإعلامية سرعان ما يتغير، لا بسبب مصداقيتها فحسب بل بسبب تعدد هذه الوسائل، وأكد أن الإعلام هو ناقل للثقافة ومعبر عنها بصورها المتعددة ووسيلة مهمة وضرورية لنشر الثقافة، فعلاقة الإعلام والثقافة علاقة وثيقة ومتينة وهما وجهان لعملة واحدة، أما فيما يخص العلاقة بين الإعلام والتربية فقد رأى الشماس أنها علاقة قوية ترابطية وتكاملية متداخلة وأهدافهما واحدة، فمها ينطلقان من مفهومات ومضامين مشتركة، ويسعيان إلى غاية واحدة، وأضاف أن العلاقة بين الإعلام والثقافة والتربية تتجلى في أمور عدة، أولها أن الإعلام يعكس الثقافة العامة للمجتمع، أما المؤسسات التعليمية فتقتصر على المقررات الدراسية، كما أن سرعة انتشار الإعلام وتأثيره يصعب على الوسائط التربوية تنفيذه، وتؤثر التربية في تنمية الإنسان تنمية متكاملة وهذا ما لا يستطيع أن يقوم به الإعلام.
إنهاء القطيعة
من جانبه لفت الأديب عماد نداف إلى أنه يجب الحديث عن الصحافة السورية باعتبارها أهم المنابر للحديث عن التجربة السورية، ولاسيما أن القامات الثقافية الكبيرة لم تكن كبيرة لولا الصحافة، ونوه إلى ما حصل سابقاً مع تصاعد عمل الأحزاب من احتكار للصحافة، بحيث كانت تظهر أسماء محددة ولا يظهر سواها بسبب احتضان حزب ما لهذا الاسم، مما أدى لظهور أسماء غير مثقفة ولكن محتضنة في بيئات سياسية، ولذلك لم تنشأ في سورية تيارات ثقافية بطريقة حرة تؤثر على المجتمع.
وأكد نداف أن الصحافة يجب أن تكون عامل احتضان للثقافة فوسائل التواصل قد تكون وسيلة لنقل الثقافة وليس الثرثرة، ونوه إلى أنه في المرحلة الأخيرة كانت الصحافة بشكل عام حكراً على مجموعة من الناس، والتلفزيون كان على قطيعة مع المثقف، أي كان هناك قطيعة بين الصحافة والثقافة. ودعا نداف إلى ضرورة أن يكون الإعلام وسيلة تقدم المثقف السوري وتنمي الشخصية الثقافية، وأن تهتم بالثقافة بوضع مشروع كامل لإنهاء القطيعة وفتح النوافذ، وبيّن أن القطيعة بين المثقف والمتلقي يعني انعدام الثقافة التراكمية والثقافة الجماعية والمساهمة في التخلف.
مشاكل الإعلام الثقافي
بدوره أشار الإعلامي ديب علي حسن إلى أنه لا إعلام بلا ثقافة ولا ثقافة بلا إعلام، فهي علاقة جدلية والفصل بينهما شئنا أم أبينا هو لضرورات عملية، وعندما ابتعدت الثقافة عن الإعلام كسدت، وعندما تخلى الإعلام العربي عن الثقافة صار إعلاناً، فما من شيء في الإعلام إلا وهو مرسل ونتاج ثقافي، ثم أوضح حسن أن الصحافة بدأت ثقافية وأول صحيفة سورية صدرت بدمشق كانت رسمية، أما الشهباء فقد كانت أول صحيفة سورية أهلية، ثم عرّج حسن إلى مشاكل الإعلام الثقافي كما رآها النقاد وهي المبالغة في التعكز على شاعرية اللغة، وتحول بعض الصحفيين الثقافيين إلى مثقفين بالأجرة فيأتي خطابهم معلباً وذا لغة جافة جامدة، والانفصام الذي يعيشه الصحافي فيكتب ما لا يعكس رؤيته وقناعاته، إضافة لعدم تمييز بعض الكتاب بين أساليب الصحافة الأدبية، وكذلك -حسبما ذكر حسن- وضع يد الإدارات البيروقراطية التدرجي على وسائل الإعلام مما أحدث تصدعاً في بنيات التحرير الإعلامي واعتمادها على قوالب جاهزة، وكذلك التنامي المتعاظم لوسائل الإعلام الجماعي وشيوع الفكر التبريري في الخطاب الثقافي، وتأثير خصائص الوسيلة الإعلامية على مضمون الرسالة، بالإضافة إلى البنية الصحفية للخطاب العربي الإعلامي وضرورة اعتماد لغة صحافية لا تقف عند حدود الخاصة بل تشارك في حوار الثقافات.
خطاب ثقافي تنويري
واستهلت الإعلامية سلوى عباس حديثها بالقول أن الثقافة هي الخاصرة الرخوة في الحياة بشكل عام، وفي الصحافة بشكل خاص، مع العلم أنها المنقذ للإنسان لاسيما في الحروب والأزمات، منوهة أنه فيما يخص عملها في جريدة البعث هناك هامش واسع وحرية في النشر، وأشارت إلى أهمية الشراكة بين الثقافة والإعلام لبناء خطاب ثقافي معرفي يحقق تكامليتهما للعمل على بناء الإنسان وإعادة تكوين العقل، مع ضرورة تركيز الإعلام على النقد البنيوي وتحليل النشاطات الثقافية للنهوض بالفعل الثقافي واحترام الرأي والحوار وليس فقط الاعتماد على النقل الحرفي للنشاطات، مع تشجيع الشباب على الإبداع والاهتمام بثقافة الطفل، والمصالحة مع الذات والآخر، وتكريس العمل الثقافي كحالة قابلة للحوار وتكريس ثقافة الحياة مقابل ثقافة الموت التي يعمل الفكر الإرهابي على ترسيخها، وتمنت أن نكون جادين في الارتقاء بإعلامنا وإنتاج الخطاب الثقافي الذي يعبر عن هويتنا ويحمي مشروعنا الثقافي، وأن تترجم هذه الندوات والمؤتمرات بكل ما تحمله من رؤى وأفكار إلى واقع عملي نلمس نتائجه قريباً.
مداخلات
وأعقب الندوة مجموعة مداخلات، أكد فيها د نزار بني المرجة أن الثقافة هي الحلقة الأضعف في الإعلام، ونوهت الصحفية فاتن دعبول أن الثقافة اليوم مرتبطة بشخصيات وأسماء محددة، وتساءل أحمد هلال إلى متى سنستمر في توصيف الإشكالية القائمة دون العمل الحقيقي، وكذلك طرح محمد حوراني سؤاله إلى أي حد توجد شللية في الثقافة والإعلام، ورأى د.حسين جمعة أن الإعلام يجب أن يكون صانع للشخصية الإعلامية.
لوردا فوزي