ثقافة

فن.. حلم.. رؤية..كبرياء

وقف إمبراطور ذات مرة أمام فيلسوف يجلس فوق وعاء أشبه بصندوق قمامة في الشارع، فلما رآه الفيلسوف، قال له بنبرة حادة: أريدك أن تذهب من أمامي أيها الإمبراطور لأنك تحجب ضوء الشمس عني.
إذن مابين ضوء الشمس والرؤية  ثمة مفردات يرتبط بها الحسّ بنوافذ الأفق المتناثرة في  كل زاوية واتجاه ، نوافذ مفتوحة على  مصاريعها  في أسوار مفتوحة على مقامات التخيّل وتجلياته.
إذن هو الحلم، حالات وصفية لأفكار مشتهاة، وإيقاعات ملونة ومنسوجة في عناق حميمي متوالد من رحم الخلق والإبداع.
كثيرة هي الرسوم التي تفيض بالرؤى التي تُدخل المتأمل فيها إلى واحات بصرية ومساحات التذوق الجمالي ليتنقل ما بين مفاتن التصوير ونوافذ الحلم في تراتيل فنية متجانسة ومتآلفة مع أبعد نقطة في فضاء التأمل.
حلم مفتوح على تأويلات مزركشة وتداعيات فسيفسائية  براقة.
إذاً لا أسوار للحلم ولا حدود له. ولكن  بيكاسو حاول  تكعيبه بخلق مفهوم وتحليل جديدين، إذ ترك للمتلقي أن يوجد الأشياء ضمن حيز شكلي واضح يكون ملتقى مركّزاً لمفرداته التشكيلية الجديدة.  ومهما حاولنا تجريد الحلم وتكعيبه ، يبقى محملاً  بأشكال التوصيف التعبيري وعاكساً لروح الفنان  وصِيَغ اشتغاله الفكري المفتوح على الابتكار وطرح الممكن في مشروعية عناق المفردات والشخوص مع فضاء اللوحة .
ولهذا يبقى الحلم ، وتبقى تطلعات الفنان وتخيلاته السرمدية تحاكي  ما وراء الأفق في سريالية مشبعة بعشق الحياة وخطوطها ضمن مجاله الحيوي .
وهاهي ذي لوحة الحلم  لبيكاسو التي رسم فيها عشيقته ماري تيريز والتر عام 1932 لاتزال تحمل مابين أسوارها كبرياء فنان وبوح رصين لتعابير منحازة لذاكرة المكان وتقاطعاته.
إذن، الحلم والكبرياء هما عنصران يرتبطان بالذات الفنية  ارتباطاً  لا يمكن فصلهما عن بعضهما. وهنا، أستحضر قصة بيكاسو عندما عاد إلى بيته ومعه صديقه ، فوجدا الأثاث مبعثراً والأدراج محطمة، وجميع الدلائل تشير إلى أن اللصوص اقتحموا البيت وسرقوه. وعندما عرف بيكاسو ما سرقه اللصوص، ظهر عليه الضيق والغضب الشديدان. سأله صديقه : هل سرقوا شيئاً مهماً؟
أجاب بيكاسو : لا.. لم يسرقوا غير أغطية الفرش!
عاد الصديق وسأله في دهشة: إذاّ لماذا أنت غاضب؟
أحسّ بيكاسو أن كبرياءه قد جُرحت وقال : أنا غاضب  لأن هؤلاء اللصوص أغبياء وليسوا ذواقين، لماذا لم يسرقوا لوحة واحدة من أعمالي؟
رائد خليل