قرارات بهيئة أفكار… ومصلحة المواطن كسيحة في مضمار تأمين موارد إضافية للخزينة العامة
فرضت الأزمة بمؤشراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية والأمنية المتشابكة والمعقدة، إيقاعاً حياتياً صعباً على المواطن السوري، وقلّلت في الوقت ذاته من الاحتمالات والخيارات المتاحة أمام الجهات المعنية التي باتت مرتهنة لمقولة أحلاهما مر من جهة، ومبدأ الأقل ضرراً من جهة ثانية، بعد أن تجاوزت التداعيات السلبية على الاقتصاد الوطني الخطوط الحمراء ودخلت مرحلة الكوارث، متخطية بذلك كل التوقعات والنظريات ذات الصلة بالاقتصاد الحربي، فمن جهة هناك حصار جائر وعقوبات اقتصادية ظالمة، ومن جهة أخرى هناك حالة من القلة بل الانعدام في الموارد الداعمة لخزينة الدولة.
خيارات إضافية
هذا الواقع أطلق مزيداً من الاجتهادات للبحث عن خيارات إضافية لتأمين المزيد من الإيرادات العامة في ظل الظروف والتحديات الراهنة، وخاصة بعد أن تسبّبت الأزمة بانخفاض حاد في موارد الدولة وبارتفاع كبير في نفقاتها، ما أدّى إلى تفاقم عجز الموازنة إلى حدّ يتطلب زيادة الإيرادات العامة بمختلف أشكالها وأنواعها وتخفيض النفقات العامة ولاسيما الجارية منها، حيث تعدّدت الأفكار ووجهات النظر المطروحة لسدّ العجز.
اللافت في كل ما يتم طرحه اليوم من خطوات لتأمين طريق آمن للخلاص، هو أن الظروف تشرعنها، وتفرضها الضرورة العلاجية والإنقاذية التي يمكن أن توصل الجميع إلى ضفة الأمان، ما حدا إلى رفع رسوم استصدار وتجديد جوازات السفر ورسوم الدخول والخروج من المنافذ الحدودية، وإعادة النظر بالضرائب على التركات المتمثلة بالأصول الثابتة، وزيادة الضريبة على المِنح والهبات والوصايا، إلى جانب طرح أفكار حول زيادة الضرائب والرسوم على معاملات نقل ملكية السيارات والعقارات والأصول الأخرى ذات القيم العالية، وإمكانية فرض رسوم استثنائية على المنازل والشقق السكنية غير المسكونة أينما وُجدت، وكذلك رفع رسوم استيراد السلع الكمالية وغير الضرورية، مثل الكحول والعطورات والدخان وأجهزة الخليوي الفخمة، وفرض ضريبة دخل تتناسب مع الدخول الحقيقية العالية لبعض الفعاليات الخدمية مثل عيادات الأطباء الاختصاصيين والمشافي الخاصة في المناطق الراقية والشركات والمؤسسات التجارية المستفيدة استثنائياً من وضع الأزمة وفرض ضرائب (مؤقتة) على الأرباح الحقيقية في الجامعات والمعاهد التعليمية والتدريبية الخاصة.
وطالت الأفكار المطروحة أيضاً لسدّ العجز رفع أسعار حوامل الطاقة من بنزين وغاز وكهرباء بنسب كبيرة نسبياً للشرائح الأعلى من الاستهلاك، إضافة إلى زيادة تعرفة الاتصالات الخلوية والهاتف الثابت للشرائح الأعلى، ورفع رسوم التعاملات القضائية المتعلقة بخصومات الأصول والتعاملات التجارية، وزيادة أسعار مبيع مادة الرز التمويني المقننة بالتدريج بنسب متدنية إلى متوسطة (10 إلى 40%).
ترشيد الدعم
وهناك من يفكر ويقترح طرح أملاك الدولة غير المستغلة للاستثمار لتأمين المزيد من الإيرادات، وتحريك الأنشطة الاقتصادية وتوفير المزيد من فرص العمل، إضافة إلى ترشيد الدعم وإيصاله إلى مستحقيه والتفكير باعتماد الدعم النقدي المباشر بآليات فعالة وسهلة وسريعة عن طريق فتح حسابات مصرفية للمستحقين، وبيع السيارات الحكومية المخصصة لشرائح معينة من الموظفين بالتقسيط المريح المناسب شرط تحميلهم مسؤوليتها الفنية مع تغطية استهلاكها المحدّد أصولاً من الوقود.
بالمحصلة النهائية
قد تكون لهذه الأفكار جدواها الاقتصادية والمالية، ولكن في الوقت ذاته لا يمكن تجاهل مصلحة المواطن الذي يحاول إخراج واقعه المعيشي من الشرنقة الرقمية التي تحاصر قروشه بأنشوطة التكليف الضريبي الذي يحتاج إلى نقلة نوعية من معايير الضريبة على الدخل المقطوع، إلى فلسفة الضريبة على الأرباح الحقيقية، وبمعنى آخر قد لا يعارض المواطن الذي يدرك خصوصية المرحلة هذه الأفكار التي دخل بعضها ميدان التطبيق والتنفيذ بشكل تدريجي، ولكنه بكل تأكيد يتخوّف من آليات التطبيق التي ستعتمد غياب العدالة، وبالتالي لن يكون راضياً عن دفع الفاتورة كاملة من الفقراء بينما ينعم ويتلذذ الآخرون بالثروات.
دمشق – بشير فرزان