“درامانا” التاريخية بيـن الأمـس واليـوم
لا شك أن إجراء بعض المقارنات الموضوعية بين الحال الذي كانت عليه الدراما التلفزيونية السورية في مراحل زمنية سابقة، والحال التي هي عليها اليوم أمر مشروع، بل ومطلوب من أجل معرفة طبيعة التطور الذي يطرأ على هذه الدراما التي تحقق في كل يوم نجاحات جديدة تؤكدها استطلاعات الرأي الجماهيرية التي تقوم بها بعض الصحف العربية ومواقع الانترنت، حيث تتبوأ الدراما السورية باستمرار مركز الصدارة في هذه الاستطلاعات، وهو الأمر الذي يؤكد ما نذهب إليه حين نتحدث عن قدرة الدراما التلفزيونية في أن تكون نبض الشارع العربي الحيّ.
والواقع أن إجراء مقارنات بين حال الدراما اليوم وحالها في سنواتها الأولى قد يشكل ظلماً لكلا المرحلتين، حيث افتقدت الدراما التلفزيونية في سنواتها الأولى إلى العديد من الميزات التي تمتاز بها دراما اليوم، من أهمها الميزات التقنية حيث افتقدت دراما الأمس إلى هذه التقنيات، ولكن ما عوض غيابها اعتماد تلك الدراما على نصوص قوية ذات طابع إنساني يستطيع أن يعوض غياب التقنية.. ومن أهم أنواع الدراما التي يمكن تلّمس مدى تطورها الدراما التاريخية بشقيها الواقعي والملحمي، حيث اعتمدت هذه الدراما في عقدَي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي على القصة المشوقة والمحبوكة والأحداث المتسارعة دون أن تكون قادرة على اللعب على وتر الإبهار البصريّ مثلما تفعل الدراما التاريخية اليوم، وهذا الأمر لم يقتصر على الدراما التلفزيونية التاريخية التي كانت تُنتَج محلياً بل والدراما التاريخية التي كانت تنتجها مؤسسات وجهات عربية ذات قدرة إنتاجية عالية من المفترض أنها لم تكن تحسب للجانب الماديّ حساباً، حيث نفاجأ اليوم ونحن نشاهد عملاً ملحمياً أُنتِج في نهاية سبعينيات القرن الماضي كـ “جابر وجبير” الذي تعرضه فضائية نور دبي وهو للكاتب الراحل عبد العزيز هلال والمخرج علاء الدين كوكش كيف أنه صُوِّر في استوديوهات بالغة الضيق أشبه بالأماكن التي تُصَوَّر فيها اليوم أعمال المكان الواحد الكوميدية، على الرغم من امتلاء هذا العمل وسواه بما يُفتَرض أنه معارك لا يلمس المشاهد وجودها سوى من خلال حديث الشخصيات عنها، في الوقت الذي نرى فيه اليوم أن إمكانيات هائلة تكمن وراء إنتاج الأعمال التاريخية، حيث يمكن القول إن ميزانية مشهد واحد من الأعمال التاريخية اليوم يكاد يتجاوز ميزانية مسلسل تاريخي بالكامل أُنتِج قبل أربعين عاماً، وهذا لا ينتقص بطبيعة الحال من تلك الأعمال أو يقلل من جهود القائمين عليها، ولكنه يشير إلى مدى التطور الهائل الذي بلغته درامانا بمختلف أنماطها ومدارسها.
أمينة عباس