الدعم الحكومي مابين الخسارة والربح
كثيراً ما تتردد عبارة، تخسر الحكومة مبلغ كذا على الدعم، “وآخر ذلك ما ورد في ص/ 4 / من صحيفة البعث ليوم 28 / 8 / 2014 تحت عنوان” الحكومة تخسر نحو / 10 / مليارات دعماً للمقنن العلفي نصفها يذهب لحيازات وهمية”، وسبق أن تكرّرت هذه العبارة “على لسان مسؤول وإعلامي” كثيراً عن الدعم التمويني/ السكر – الرز – الخبز/، وعن دعم المحروقات ودعم الماء والكهرباء والدعم التعليمي والصحي و…، ما يجعل المراقب المهتم يتساءل هل الدعم خسارة أم ربح، أليس من المفترض أن يكون الدعم الذي تقدمه الدولة لمواطنيها، بمثابة استثمار ينجم عنه ربح فعلي عالي المستوى، نظراً لما يوفره هذا الدعم لمحتاجه “مستهلكين ومنتجين” من تأمين بعض متطلبات الاستهلاك بأسعار تساعد الفقير في تأمين متطلبات العيش التي تمكنه من أداء العمل المنتج، الذي يدرّ له وللوطن دخلاً كبيراً، وأيضاً تأمين بعض متطلبات الإنتاج التي تمكن المنتج من إنتاج السلعة التي تحتاجها السوق المحلية، وتغني عن السلعة الأجنبية، وتصدير الفائض الذي يعود خيراً للوطن، بديلاً عن السلع المستوردة التي تستنفذ عملاتنا الصعبة، ما يجعل من غير المنطقي أن يوصف الدعم الذي تقدمه الدولة لمواطنيها بأنه خسارة، فالإنسان العادي لا يصف إنفاقه على متطلباته الحياتية بالخسارة، ولكنه يعتبر نفسه أنه قد خسر عندما يمحُل موسمه أو يهدر أو يبذّر أو يقامر، والميسور الذي يُحسِن على الغير لا يصف إحسانه بأنه خسارة، إلا عندما يتبيّن له أن من أحسن إليه بذّر هذا الإحسان، واستخدمه في غير مكانه.
منذ سنوات والدعم على طاولة أولي الأمر، وعلى حلبة النقاش منبرياً وإعلامياً، وطروحات شتى صدرت عن أصحاب الرؤى النيّرة بخصوص دراسة موضوع الدعم، بحيث يصل إلى محتاجيه ومستحقيه، ولكن المعنيين بالأمر صمّوا آذانهم، وما زال غير السوريين الذين يعيشون على الأرض السورية- أياً كانت صفاتهم وسماتهم- يستفيدون من نسبة كبيرة من الدعم، وهو ليس من حقهم، والحال نفسها بالنسبة للسوريين الإرهابيين الذين يتعاملون مع الدخلاء ويخرّبون الوطن ويسيئون إلى مواطنيه، أي إن من ليس من حقه الدعم يحصل عليه، وأيضاً من ليس يحتاج الدعم يحصل عليه، إذ إن كثيراً من أصحاب الدخول المرتفعة ليسوا بحاجة للدعم، وكثيراً من أصحاب الدخول المتوسطة ليسوا بحاجة إلا لنسبة منه، والحال نفسها بالنسبة للذين لا يتوفر لديهم ما يستوجب حصولهم على الدعم، كالذي يدّعي أن لديه مواشي كذباً وافتراء، أو يدخل مشفى عام ولديه ما يزيد ويفيض كثيراً عن متطلبات دخوله مشفى خاص، أو يحصل على ربطة الخبز بالسعر المدعوم الذي يستفيد منه أفقر مواطن، عدا عن توفير الكميات المدعومة لكثير من المواد بما يزيد كثيراً عن حاجة السوق المحلية، ما أدى إلى فتح باب تهريبها إلى الخارج، بل وتهريب حاجة المواطن، ما تسبب في تحقق بعض الاختناقات الاقتصادية التسويقية، وتحقق كسب كبير غير مشروع لصالح شريحة فاسدة مفسدة، لا بد أنها على صلة– ولو جزئية- مع من لم يعملوا– من مواقعهم في اتخاذ القرار- لدراسة موضوع الدعم، أو أعاقوا أو منعوا تحقق هذه الدراسة بما يعود خيراً للوطن ومواطنيه، والمؤسف أن بعضهم رضي باليسير من الكسب غير المشروع غير مبالياً بالخسارة الكبيرة التي لحقت بالاقتصاد الوطني.
من يتبصر ملياً في وقائع مجمل الدعم وتشعبات حيثياته، يتضح له بشكل جلي أنه ليس من الجائز أن يوصف الدعم الذي يذهب إلى محتاجيه ومستحقيه بالخسارة، بل هو ربح حقيقي لأنه بمثابة استثمار منتج في محله، وأيضاً ليس من المنطقي أن يوصف الدعم الذي يذهب إلى غير محتاجيه ومستحقيه، بأنه خسارة، لأن الخسارة تنجم عن حالة لا إرادية يتعرض لها صاحبها، وبالتالي ليس من الصواب أن نصف الدعم الذي يذهب إلى غير محتاجيه وغير مستحقيه بأنه خسارة، بل هو تخسير، تخييس، وهدر وتبذير.
في حقيقة الأمر، كل دعم في غير محله هو خسارة للوطن ومواطنيه، بل هو عدم لهذا الدعم، بل هو قوة وسلاح للخصوم أياً كانت أشكالهم، ما يستدعي ألا يكون من المقبول قطعاً أن يبقى الحال على ما هو عليه، فالحاجة ماسة لأن يتم العمل سريعاً لاتخاذ العديد من الإجراءات– تشريعاً وتنفيذاً- بما يضمن وصول الدعم إلى محتاجيه ومستحقيه فقط، وحال حصول ذلك تنتفي الخسارة المعتاد الحديث عنها، ويتبيّن أن نصف الدعم الحالي يغطي الحاجة الحقيقية، ومن المفترض أن يكون بمقدور جهابذة الإدارة، إعداد العديد من التصورات التي يمكن اعتمادها وتطبيقها، نضع ذلك بين يدي الحكومة العتيدة راجين لها النجاح في ذلك.
عبد اللطيف عباس شعبان/
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية