اقتصاد

أزمة المازوت عصيّة على الحل.. وزميلتها الغاز إلى الواجهة مجدّداً بين حسابات حقل الأقوال وبيدر الأفعال.. هواجس إصلاحية تطيح بأحلام صحفي مسكون بآمال التغيير

تتملك أحد الزملاء بين الفينة والأخرى هواجس أن تتحوّل بلادنا إلى ما يشبه المدينة الفاضلة، كلما أدلى مسؤول بتصريح (يؤكد، ويشدّد من خلاله، على حشد الجهود، والإمكانات، لاجتثاث الفساد، وحلّ جميع المشكلات والأزمات، التي تنغّص عيش المواطن، وتعكّر صفوه ووو..الخ).
ومردّ هواجس زميلنا أن يأتي يوم تخلو فيه جعبته من مواضيع إشكالية وخاصة تلك التي تمسّ حياة المواطن اليومية، ليقتصر عمله بالتالي على نشر الأخبار الرسمية المتعلقة باستقبالات ونشاطات مسؤولينا التي لا يقرؤها سواهم، وبذلك يفقد اسمه البريق الذي حققه طوال مسيرته الصحفية من خلال المشكلات والأزمات التي طالما التقطها حسّه الصحفي ليسطّرها بعناوين مشوّقة يتلقفها القارئ باهتمام، وأدّت بالنتيجة إلى زيادة شعبيّته الصحفية وتضخيم هالته لدى متّخذي القرار، واللافت أن زميلنا يبدأ مع كل بارقة أمل للإصلاح بالبحث عن مهنة أخرى تحقق له مستوى عيش كريماً لأن أيامه في مهنة المتاعب باتت معدودة حسب توقعاته الخائبة، مع قناعته التامة بأنه لن يتعذب كثيراً في إيجاد فرصة عمل أخرى لأن الإصلاح (المرتقب) سيوفر المزيد منها…!.

طمأنة!
لكن الوقائع في يوميات السوق تطمئن زميلنا المسكون بهواجسه الخلبية أن المؤشرات الواقعية، لا تنبئ بما يجول بمخيّلته من تغيير اجتماعي اقتصادي سببه بالدرجة الأولى الفساد، بل على العكس تماماً، فالمواطن بات يومياً على موعد مع أزمة جديدة، فها هي أزمة الغاز تعود إلى الواجهة ليملأ تجار الأزمات جيوبهم من جديد، وما زال الحصول على بضعة ليترات من المازوت لشتاء هذا الموسم ينغّص عيش المستهلك ويقضّ مضاجعه، فضلاً عن تفاقم أزمة النقل، وعودة مسلسل ارتفاع الأسعار…الخ، وكأن تصريحات مسؤولينا الواعدة بالتغيير تدغدغ المواطن على أمل أن يقتنع أنها قد تحقق ولو جزءاً مما تدّعي وتزعم..!.
للتذكير فقط
مؤكد أننا لا نأتي بجديد بتركيزنا في هذه العجالة على أزمة المازوت وما يعتريها من تجاوزات بالجملة، لكننا نبتغي من تناولنا هذا الموضوع أن نذكّر من يتوعّد بالحل القريب –عسى الذكرى تنفع- بأن الأزمة لم تحلّ، بل تتفاقم يوماً بعد يوم رغم تأكيدات الجهات المعنية متابعتها وتشكيل اللجان الكفيلة باستئصالها من جهة، ولقناعتنا بأن متابعة أي مشكلة وخاصة إن كانت تمسّ المواطن بشكل مباشر ويومي، هي من صلب عمل الإعلام من جهة ثانية.
إما..
لاشك أن إحجام أصحاب محطات التوزيع عن بيع ليتر المازوت بالسعر المضاعف الذي يتجاوز حاجز الـ150 ليرة يثير شكوكاً كبيرة -وخاصة أنهم يجاهرون بالسعر دون مواربة (من قبيل أن محطات التوزيع لا تعطيهم سوى النزر اليسير من المخصصات نتيجة تواطئها مع المحتكرين)، ولا نستبعد هنا أن يكون معظمهم من ذوي النفوذ، حيث يتم تصريفها قبل أن تصبّ في خزاناتها، ولاسيما أن عيون المواطنين تترقّب وصول المخصصات إلى هذه المحطات لحظة بلحظة حتى يحظوا بما يتيسّر من حقهم.

..أو
أو أن الموزعين الذين يحصلون على المخصصات من فروع الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية (محروقات)، لبيعها بسعر 65 ليرة لليتر واصلاً إلى المستهلك، يحتكرونها بغية بيعها بطريقة أو بأخرى بالسعر المضاعف، ما يعني وجود حلقة مفقودة بين الجهة المسؤولة عن تأمين المادة (وزارة النفط)، والجهة المسؤولة عن تأمين إيصالها للمستهلك بالسعر النظامي (وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك)، وخاصة في ظل غياب آلية توزيع واضحة المعالم في هذا الموسم لإيصال المادة إلى المستهلك المستحق لها لأغراض التدفئة.

آخر القول…
لا نستبعد أن يطلّ علينا أحد المسؤولين المعنيين بهذا الشأن، ليحمّل المواطن مسؤولية الفوضى الحاصلة في سوق التوزيع، لعدم تعاونه وانضباطه والتزامه مع الجهات المعنية للحصول على مخصصاته، أو لأنه يحصل على أكثر مما يستحق وبالتالي يحرم غيره من أهم مكون من مكوّنات التدفئة..!، لذلك نستبق مثل هذه التصريحات لنوضح أننا تعوّدنا سماع أن المستهلك دائماً هو المسؤول الأول والأخير رغم أنه الحلقة الأضعف في معادلة الربح والخسارة، فجهاتنا الحكومية –حسب زعمها- ملتزمة تجاهه ومفاصلها الإدارية لا همّ لها سوى إرضائه والسهر على راحته وتأمين حاجاته، لكن المواطن لا يملأ عينيه إلا التراب، لذلك نلفت عناية زميلنا المتوجّس من (حلّ الأزمات) أن يوجّه هواجسه نحو المواطن وليس نحو المسؤول..!.
دمشق – حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com