ملف النظام الأسود يفضح معايير "المجتمع الدولي" المزدوجة حكم الإعدام بحق النمر يثير نقمة عارمة ضد آل سعود
عندما تؤدي المطالبة بالإصلاح الديمقراطي، ومشاركة الشعب في إدارة البلاد، وضمان حقوق المرأة والأقليات، إلى حبل المشنقة، فليعلم المتابع أن القصة حدثت في مملكة الظلم والقهر، السعودية، حيث مازال حكامها يديرون البلاد بعقلية القرون الوسطى، وربما أضل سبيلاً، وما نطق به الحاكم تحت عنوان “التعزير”، يدلل على عجز القضاء السعودي عن استناده لمادة قانونية لهذا الحكم، بل لجأ إلى ذلك لترك الباب مفتوحاً أمام القاضي ليجتهد في حكمه.
وعليه فإن ارتدادات حكم الإعدام بحق معارض سعودي مثل الشيخ نمر النمر، لم يحمل السلاح ولم يرتكب أية جريمة تستوجب هذا الحكم البربري سوى قيادة تظاهرات تطالب بالعدالة والديمقراطية، لن يكون في وسع آل سعود تحمّلها، واعتبرها البعض انزلاقاً نحو الهاوية، وإذا كان حكام المملكة نجحوا سابقاً في وأد الثورة الشعبية ضدّهم، بالقمع وسكوت المجتمع الدولي بإمرة واشنطن، راعية آل سعود، فإن الحكم السعودي أشعل غضباً داخلياً وخارجياً، سيصعّب عليهم إخماد ثورة جديدة، بدأت بوادرها بخروج تظاهرات ليلية عقب إصدار الحكم، لكونه يعبّر عن موقف سياسي بعيد كل البعد عن الشروط والمتطلبات القانونية، كما يعبّر عن حالة توتر يعيشها النظام السعودي، ويقطع الطريق أمام أي تسوية لحلحلة الأزمة التي تواجهها.
ولم يمر نبأ حكم المحكمة الجزائية في الرياض بإعدام نمر النمر مرور الكرام، على قرى ومدن شرقي السعودية، حيث خرجت تظاهرات احتجاجية تنديداً بـالحكم الجائر، فردّت قوات الأمن برصاصها المباشر، حسب ناشطين سعوديين.
وفي منطقة الشرقية في المملكة، انطلقت التظاهرات من مدينتي العوامية والقطيف لتلتقي التظاهرتان في شارع الثورة، تعبيراً عن التضامن مع الشيخ النمر، وطالب المتظاهرون بالتدخل لوقف “مهزلة المحاكمات الصورية بحق المعارضين”، مطالبين بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين في المملكة.
وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لتظاهرات خرجت في القطيف، أظهرت مشاركة عدد كبير من أهالي المنطقة، الذين حرص عدد منهم على عدم إظهار وجوههم خشية الملاحقات الأمنية، وذكرت مصادر محلية أن قوات الأمن السعودية عمدت إلى إطلاق رصاصها المباشر لتفريق التظاهرة المركزية التي خرجت في القطيف.
كما أعربت الأمم المتحدة عن تمسكها بضرورة وقف أحكام الإعدام، وطالبت السلطات السعودية بالالتزام الدقيق بأصول المحاكمات، وذكّرت بالمواقف السابقة الصادرة عن المفوض السامي لحقوق الإنسان المتعلقة بالسعودية.
واعتبرت مجموعة من المنظمات الحقوقية العربية، في بيان باسم 18 منظمة وجمعية في العالم العربي وأوروبا أمس، أن “حكم القتل سابقة خطيرة في القضاء السعودي، ويمثّل تجاوزاً لمواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين، والتي تضمن حرية التعبير لكل إنسان، وعدم تعريضه لأي شكل من أشكال الإكراه والضرر على خلفية ممارسة حقه المكفول قانوناً”.
وفي هذا السياق قال رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي: إن تنفيذ السعودية للحكم الصادر بحق الشيخ نمر النمر سينقل أزمة اليمن إلى المنطقة الشرقية في السعودية.
وبهذا الحكم الجائر تضيف سلطات آل سعود انتهاكاً جديداً إلى سجلها الحافل بالممارسات القمعية الخارجة عن القوانين وحقوق الإنسان.
وكانت سلطات أمن آل سعود اعتقلت في تموز عام 2012 الشيخ النمر البالغ من العمر 55 عاماً في بلدته شرقي أراضي الحجاز إثر عودته من صلاة الفجر واستخدمت العنف معه أثناء عملية الاعتقال ما أدى إلى إصابته بجروح بليغة.
وسبق لسلطات آل سعود أن تعرضت للشيخ النمر أكثر من مرة، حيث اعتقل لمدد متفاوتة، وكان منزله يخضع للمراقبة الشديدة، وتعرض في المعتقلات لتعذيب جسدي ومعنوي، وصولاً إلى اعتقاله في تموز من عام 2012، وتوجيه تهم إليه تتعلق بما تسميه السلطات “إثارة الفتنة الطائفية والخروج على ولي الأمر” لتستغلها في إصدار حكم الإعدام بحقه.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها السلطات القضائية التابعة لنظام آل سعود مثل هذه الأحكام الجائرة بحق المعارضين لسياساتها، حيث سبق للمحكمة نفسها أن أصدرت قبل مدة أحكاماً بالإعدام على ثلاثة متظاهرين، وهم الطفل علي النمر وعلي سعيد آل ربح ومحمد فيصل الشيوخ، وذلك للتهم ذاتها التي وجهت للشيخ النمر، وهو ما دفع بالمقرر الدولي الخاص بالسعودية من قبل هيئة الأمم المتحدة للقول: إن الانتهاكات في السعودية مسألة بغاية الخطورة وتثير قلق المجتمع الدولي بشكل كبير.
واللافت أن كل هذه الوقائع والمعطيات بخصوص ملف نظام آل سعود الأسود في مجال حقوق الإنسان، تؤكد من جديد أن سياسة المعايير المزدوجة التي يمارسها ما يُسمى المجتمع الدولي في تعاطيه مع المفاهيم والقضايا الإنسانية مستمرة ومتواصلة، في ظل هيمنة بعض الدول، التي ستظل قضايا حقوق الإنسان وهمومه آخر أولوياتها في مقابل مصالحها ومصالح شركاتها الاحتكارية.
ويلفت المتابعون إلى أن أكثر ما يثير التساؤل في ظل هذه الوقائع وغيرها من السجل الطويل لانتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام المملكة الوهابية المصدّر للإرهاب والتكفير هو أن يكون هذا النظام عضواً في مجلس حقوق الإنسان ويترك له المجال ليتحدّث عن الانتهاكات بحق الإنسانية ويتباكى على الإنسان في سورية أو العراق وغيرهما من الدول، في وقت يتخذ من القمع والقتل أسلوباً لمعاقبة معارضيه، ومن العمالة والارتهان ورهن مقدرات البلد لمصالح الشركات الأمريكية من أجل البقاء في الحكم، والمفارقة تكمن في أن الشعب السعودي الخاضع لحكم الحديد والنار والتشدد وفتاوى المأجورين من منظري وشيوخ الوهابية والتطرف الفكري والتكفيري يعيش بحالة مادية لا تتناسب مع ثروات بلاده الهائلة التي يتبارى أمراء عائلة آل سعود في إهدارها وتكديسها لمصالحهم وملذاتهم الشخصية.
وعقب شيوع الخبر، نشطت على مواقع التواصل الاجتماعي التدوينات، ونال الحكم صدى واسعاً، حيث دعا النشطاء إلى حملة للتضامن مع الشيخ النمر، فيما حمّل البعض المجتمع الدولي مسؤولية ما يتعرض له الشيخ الثائر، كذلك جرى تداول ما جملته تجاوزات السلطات السعودية في حكمها.
واتخذ المتعاطفون مع النمر، على عاتقهم مهمة نقل قضيته وندائه بالحرية والديمقراطية، كذلك أُنشئت صفحات حملت عناوين “أعدمونا مع النمر” و”أرواحنا فداء للنمر”، وصفحات أخرى نشط عليها مدونون اتخذوا من الفضاء الافتراضي مساحةً للتعبير.
واستنكر العديد من الكتّاب والمثقفين الحكم الجائر، مطلقين مواقف سياسية واضحة في هذا المجال، وقال الناشط السعودي حمزة الحسن: “معركتنا مع طغيان آل سعود طويلة، وسبيل الحرية والكرامة له ثمن، والأحرار لا يقبلون بالتواني وبالدنيّة لأنفسهم، لا يركعون لجلاديهم ولا يسالمونهم”.
من جهته، رأى الكاتب اللبناني أسعد أبو خليل، عبر الموقع نفسه، أن الصمت الإعلامي العربي عن الحكم الجائر ضد الشيخ النمر يفضح زيف الليبراليّة العربيّة الرجعيّة.
وكتبت أيضاً الناشطة شذى الجبر أن “من يفرح بالحكم، من غير العبيد، فكأنما يُطالب بقتل كل إصلاحي وقف ضد الظلم والاستبداد والامتلاك”. أما الناشط علي الدبيسي، فأشار إلى أن اعتقال النمر “زاد السجل الحقوقي للسعودية سوءاً، وكل يوم من سجنه يؤكد افتقاد السلطة الجدية في احترام حقوق الإنسان”.
كذلك، تداول النشطاء والمدونون صور الشيخ النمر مع المتظاهرين الذين قتلت السلطات الأمنية بعضهم مثل خالد اللباد، من دون إحراز تقدم في التحقيق أو الكشف عن أسباب مقتلهم، والاكتفاء برواية السلطة التي اعتبرتهم “إرهابيين” وأصدرت بحقهم قوائم رسمية لملاحقتهم، غير أن رواية الأهالي تتهم السلطات بإعدامهم بدم بارد أمام بيوتهم وعائلاتهم.
الغضب على صفحات التواصل الاجتماعي الذي رافق حكم الإعدام نهاراً، انتقل بواسطة نشطاء سعوديين سموا أنفسهم “شباب الحراك الرسالي”، إلى الحيّز الواقعي، حيث دعا هؤلاء إلى تظاهرات ومسيرات غاضبة حملت عنوان “يا دولة الظالمين”، خرجت من العوامية إلى وسط القطيف.