محليات

صحيح “التصحيح”….

لأنه “صح” فهو لا يقبل الخلاف والاختلاف، فقدر الأصحّ أن يبقى بصحة صحيحة وبالتالي لا مجال هنا للفرز والتصنيف وحتى التخندق والرفض لأجل الرفض كما تشهد الوقائع من أحداث من المفترض أنها تملك بعضاً من الصح البريء حتى من هذا البعض، لأن الأداء والفعل أبعد ما يكونان عن العنوان والشعار البراق لما اصطلح على نعته بين قوسين بـ”ثورة” حاولت أن تلعب على وتر دغدغة التغيير المقرفة والمقززة لمن حمل الساطور منشداً “بالذبح جيناكم”، ومن أحرق ونهب ودمّر وسرق متسلحاً بسوق السياسة المعلّبة وبفكر الجهاد المغلف بالتكفير؟!.
فعن سبق معرفة ودراية وحنكة وبصيرة ولد الأنموذج القدوة الذي اشتُغل على صناعته كثيراً ليكون المولود كاملاً وبصحة وعافية شاملة، لتنطبق عليه مقولة الاسم على المسمّى “التصحيح” كحركة انعطفت بالبلد نحو المسار الأفضل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وخدمياً، وخلال عقود من عمر التغيير الحقيقي كان التجدّد والتطوّر والحداثة ممارسة عملية وليس مجرد شعار أجوف بل كان في سياق نهج مرن قابل لتلقف الجديد المفيد وإلغاء القائم الجامد والعنيد.
نعم لقد اختار رواد وأرباب التصحيح طريقاً لا يقف عند مفترق صناعة الإنجاز ومن ثم العيش على نشوة الانتصار، بل كان الانفتاح على الأفضل قانوناً وتشريعاً يحقق الديمومة التي يفرّخها دستور البعث ومنطلقاته ومبادئه التي لا تحيد عن الليونة ومحاكاة المتحوّلات بثوابت بعيدة عن الجمود والتقوقع غير المجدي في أدبيات التعاطي السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟.
يصعب على من يتلقّف الحضارة بقشورها ويحلل التاريخ بتلافيف المخ الخارجية، أن يستوعب بقراءة غير منظورة السيرورة الفكرية والأيديولوجية لنهج التصحيح ومحطاته التاريخية في صناعة بلد منتج صناعياً وزراعياً وخدمياً وسياحياً، ومستثمر لموارده وإمكاناته الطبيعية والبشرية والجغرافية، لنصبح أمام وطن بحجم الطموح ودولة ثقيلة في موازين الأمم والعظماء، وما السجل المتخم من الإنجازات سوى بعض مما حققه التصحيح وإشارات لما هو مقبل عليه؟.
يحسب لحركة 1970 أنها شقت طريقاً واحداً قوامه البناء والتشييد وخلق قطاعات تنموية من الصفر، فمن البلد المستهلك والمتقلب على أوجاع الانقلابات إلى بلد منضبط على عقارب الإعمار وصناعة سورية الحديثة على أيدي مجتمع عرف كيف يوظّف التحوّل لقطف ثمار كان ينتظرها منذ القديم، وهذا ما تجسّد في ميادين وساحات تترسخ فيها الجهود والإمكانات البشرية والمادية لسفر من المعامل والمصانع وحقول وبيادر الزراعة والإنتاج، وبالتالي صياغة صفحة من الحياة المدنية التي ركزت على بناء البشر قبل الحجر بالتوازي مع تشكيل غير مسبوق لمؤسسة لم يمضِ يوم إلا وكنا ندين لها بالبقاء والاستمرار والصمود، إنها “الجيش العربي السوري” الذي حمى التصحيح وعسكر على تخومه يصون الحدود ويحصّن الوطن والمواطن من الخراب الذي وصل إلينا من خلف البحار ليدفن الصروح ويقتل الإنسان قبل البنيان مدفوعاً بقوى لا ترتضي الأنموذج السوري الذي يخيفها ويعرّيها من ورقة التوت المزعومة، ليعيث عبر سنوات الحرب القائمة سفكاً ودماراً ندرك تماماً أن الثورة التصحيحية قادرة على إعادة إعماره وبنائه، لأنها الأصحّ في النهاية وأولادها هم من سيضحكون كثيراً.
علي بلال قاسم