اقتصادتتمات الاولى

الإيداعات المصرفية المتزايدة باتت عبئاً على قطاعنا المصرفي.. والحلول معدومة

تدنّت سيولة المصارف العاملة في سورية بشكل واضح مع بدء الأحداث والاضطرابات في آذار عام 2011، ومنذ النصف الثاني من عام 2013، أخذت السيولة بالتحسّن نتيجة زيادة حجم الإيداعات، ورغم ذلك ما زال القائمون على قطاعنا المصرفي يتحدّثون عن سيولة منخفضة لا تسمح بالإقراض، وأنها لم تصل بعدُ إلى المعايير الدولية (بازل1، بازل2)، بينما يقول وزير المالية: إن المصارف العامة ستمنح قروضاً عندما تتحسّن لديها مستويات السيولة، في وقت تؤكد فيه مصارف عامة وخاصة توافر السيولة الفائضة في خزائنها، لا بل إنها باتت مزعجة؟!.
وبالمقابل، تنشيط الواقع الاقتصادي يتطلب دوراناً أفضل لعجلة الإنتاج التي تحتاج إلى سيولة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي الإجراءات المتخذة أو المطلوبة لتجنيب المصارف خسائر محققة بسبب دفعها فوائد على إيداعات بالمليارات دون وجود عوائد عملية حقيقية عائدة من فوائد التسليف؟ وما هي أفضل الطرق للاستفادة من نسبة من هذه السيولة لمصلحة الاستثمار والاقتصاد الوطني، أي تأمين متطلبات الأطراف كافة دون مخاطرة تذكر على حجم الإيداعات، والمحافظة على الثقة بمؤسساتنا والتأكيد أنها فعلاً تمضي في الطريق الصحيح.

اعترافات
إذاً لا مناص من الاعتراف بأننا في ظرف استثنائي يحتاج إلى حلول تفضي إلى قرارات استثنائية تتجاهل كلياً المعايير المصرفية الدولية للانطلاق، من وجهة نظر الخبير المصرفي أنس الفيومي، الذي أكد أهمية دوران السيولة، من خلال منح تسهيلات ائتمانية بفوائد متدنية لفترات قصيرة الأجل، بحيث تؤمّن متطلبات الصناعيين والتجار والمصارف، وأن تخرج الجهات المختصة بالتشريع، من قوقعة الأشكال التقليدية وتعطي صلاحيات أوسع للمصارف كل حسب إمكاناته وبما يراه مناسباً لكسر الروتين، وتشجّعها على الدخول باستثمارات وتشاركية مع القطاعين الخاص والعام في مشاريع تحرّك عجلة الإنتاج، موضحاً أن صلاحيات أفضل للمصارف ضمن شروط وحدود للتمويل ستجنّبها الوقوع في خسائر وتمكنها من تحقيق أرباح مقبولة في ظل الأزمة.

الحماية
إلا أن معايير بازل وُضعت لتحمي المصارف من الإفلاس الناتج عن الخسائر المتراكمة وارتفاع معدلات التعثر، والعمل على ضوئها وتأكيد الحكومة ذلك -كما يعتقد مازن حمزة مدير التسليف في المصرف التجاري السوري- أبقى جميع المصارف في مناطق الأمان، ودرجة المخاطرة في التسليف في أدنى مستوياتها رغم مرور أربعة أعوام على الأزمة، بينما يشير الفيومي إلى أن تمويل عمليات تجارية واستثمارية أخرى تتم خلال فترة قصيرة تفادياً للمخاطرة بأموال المودعين، يعود بالمنفعة على التاجر كتمويل شحنة واردات نفط لمصلحة رجل أعمال ما، على سبيل المثال لا الحصر، وهنا يرى حمزة أنه لا مانع من ذلك في حال وضعت كفالات عالية جداً مع ضمانات يضمن المصرف تحصيلها مستقبلاً في حال التعثر، ويوفر إجراءات قضائية وملاحقات للعملاء المتعثرين غير مجدية مالياً.
ويطرح مدير تسليف التجاري حلاً آخر في حال لم يجد المصرف قناةً استثمارية تقيه شبح الخسارة، كالامتناع عن تسلّم إيداعات بفوائد مرتفعة أو خفض حجم مبلغ الإيداع أو الفوائد ريثما يجد سيولته تزيد على المسموح به للاقتراض، وهذا يتطلب زمناً طويلاً إلا أنه من وجهة نظر حمزة يعزز ثقة العملاء بالمصرف، في حين عدم توافرها عند طلب العميل سحبها سيؤثر في مصداقية المصرف وينعكس سلباً على سمعة المؤسسات المالية عامة.
وفي سياق متصل أفادت مصادر في مصرف سورية المركزي بأن سيولة المصارف تشهد تحسّناً مستمراً مع ارتفاع معدل الإيداعات لديها، متوقعة ازدياد سيولتها بشكل ملحوظ مع انفراج الأزمة وعودة الوضع الاقتصادي إلى استقراره، وأوضح مصدر في المصرف أنه منذ بداية الأزمة الراهنة، عمل على تلبية كل احتياجات القطاع المصرفي من السيولة بشكل يومي، وذلك عبر تدعيم مخزون الأوراق النقدية لديه، ووضع الخطط الكفيلة بمواجهة أي عمليات سحب قد تفوق قدرة المصارف على استيعابها، وذلك انطلاقاً من دوره الطبيعي كملاذ أخير للمصارف والتزامه بتوفير السيولة لها، بما يقابل السحوبات الحاصلة بالليرة السورية والقطع الأجنبي، حرصاً منه على سلامة القطاع المصرفي واستقراره والحيلولة في الوقت نفسه، دون حصول حالات إعسار أو إفلاس مصرفي.

معلومات
وبناء على معلومات رسمية نمت إيداعات الزبائن في المصارف الخاصة التقليدية بنسبة 10.2% في نهاية العام الفائت مقارنة مع العام الأسبق، وأكد فراس سلمان مدير عام المصرف التجاري السوري أكبر المصارف السورية أنه بدءاً من 31/12/2013 بدأ تحسّن ملحوظ في ودائع القطاعين العام والخاص ليتحوّل من تطوّر سلبي إلى تطوّر إيجابي في عام 2014 قياساً إلى حجم الودائع في عام 2010 سنة الأساس.
وكان إجمالي الودائع الخاص والعام، الودائع بالليرة وبالعملة الأجنبية مقوّمة بالليرة السورية وصل بتاريخ 30/12/2010 إلى 388.496 مليار ليرة سورية وفي 31/12/2011 انخفض ليبلغ ناقص 18% بمبلغ 320.318 مليار ليرة، واستمر الانخفاض ليصل إلى ناقص 20% بتاريخ 31/12/2012 إذ بلغ إجمالي الودائع 311.642 مليار ليرة.
هي معطيات تحتّم على المعنيين الدراسة والبحث عن إجراءات أكثر مرونة لاستثمار نسبة من السيولة المصرفية خدمة للعملية الإنتاجية والتجارية وغضّ الطرف عن المعايير التي تناسب دولاً مستقرة تنعم بالرفاهية، وعن منتجات مصرفية تلبّي حاجات الأطراف كافة دون المساس بمصالح ومصداقية أي طرف.

دمشق – سامر حلاس