ثقافة

روايات الموقف أولاً والحال ثانياً روايات الأزمة مستعجلة وتعاني من عثرات

على الرغم من قناعتنا أنه من المبكر جداً الحديث عن رواية سورية تستوعب ما حدث في سورية وصعوبة الوقوف على ما صدر حتى الآن منها في ظل الغياب شبه الكامل لرواية تناولت الأزمة بشكل مباشر أو غير مباشر ضمن إصدرات الهيئة العامة السورية للكتاب أو اتحاد الكتاب العرب إلا أن تناول ما وقع تحت أيدينا منها ضمن الإصدارات الخاصة وإن كان غير كافٍ يعطي بشكل من الأشكال صورة مبدئية لمعظم ما صدر تحت اسم رواية الأزمة حتى الآن وهي روايات ودون ذكر عناوين عجزت بالعموم عن تفسير ما يحدث تحت ضغط الرغبة وإغراء تقديم الرواية الأولى عن الأزمة وتناول ما يجري في سورية وبين حاجة الرواية إلى إمكانيات كبيرة وطاقات إبداعية متميزة فولدت روايات خديجة في غير موعدها، ويفسر أصحابها سبب استعجالهم في إصدارها إلى قناعتهم بأن القارئ يجب أن يعرف ما يحصل ولماذا وتأكيدهم على أن الأدباء يجب أن يكونوا حاضرين في المشهد السوري في ظل الأزمة التي نعيشها، في حين أن هذه الروايات جاءت غير مكتملة، تحوم حول الأزمة وتكاد تلامسها ملامسة يبحث  فيها القارئ عن أجوبة فلا يجد فيها إلا صدى لأسئلته.
يتفق الكاتب والناقد د.حسن حميد معنا من حيث أنه من المبكر جداً الحديث عن رواية سورية تستوعب ما حدث من ارتجافة عصفت بأمور كثيرة، وقد اتسمت بالمفاجأة والفوضى والقلق اتجاه المرتكزات الأساسية التي تشكل صلب البنيان الوطنيّ، وفي مثل هذه الفوضى وحالات الارتباك المتوالدة يضيع الوقت ويفتقد الهدوء ويصير التأمّل غاية بعيدة المنال، وبذلك تستحيل الكتابة التي تحبّرها العقول والمشاعر والأحلام، ولكن وأمام هذه الحالة المرَضيّة واللاوطنية ما بمقدور الروائيّ المتعَب بمشهديات التدمير والقتل والدم والتهجير سوى أن يكتب كي لا يموت أو كي لا تتوقف روحه عن النبض، يكتب ما يمكن أن يسمى رواية، يكتب على الأقل هذه المشهديات الراعبة ويرسم الصرخات الفاجعة ويناظر البيوت التي مال بعضها على بعضها الآخر دماراً وتشققاً بعدما كان بعضها يميل نحو بعضها الآخر بالمحبة وأشجار الكبّاد والنارنج وأزهار الياسمين، ويشير د.حميد إلى أنه قرأ بعض الروايات المكتوبة عن هذا القبيح الذي يحاول التهام جماليات البلاد السورية تاريخاً واجتماعاً وثقافةً وقيماً، فوجد أنها كتابات المحاجزة ما بين موت الروائي طقيقاً والكتابة.. إنها كتابات المحاجزة التي تدفع عن العقول انفجارها وعن النفوس انطفاءها وعن الذات عجزها وعن الأصابع شللها وعن الأقلام خرسها.. إنها كتابات روائية ولا بدّ من توصيفها هكذا، خافت من ضياع حرارة المشهد وطزاجة الأحزان ولوعة الصرخات، المنادية للنبيل كي يتجلى، مبيناً حميد أنها روايات الموقف أولاً والحال ثانياً، بعضها أراد الوصف تعبيراً، وبعضها أراد الجهر بالمخاوف التاليات لأفعال الأذى والخراب، وبعضها أراد العودة إلى أخلاق البيت ومدوّنة القيم، وبعضها أراد إطلاق صرخة لا أو كفى، معتقداً أن هذه الجهود الروائية طيبة لأن القارئ والناقد يتفهم دواعي ظهورها على هذا النحو وهذه الصورة، معترفاً بأن بعضها روايات، حيث الأزمنة فيها أزمنة روائية والأمكنة والحوارات وتعدد الأصوات وروح السرد والشخوص والتأمّل، ومثل هذا الصنيع لا تنهض به إلا مواهب كبيرة حقّاً، إلا أنه يعترف بأن معظم الروايات التي قرأها شكَت من آفة الاستعجال وشيوع الوصف وثقافة الإخبار وتسجيل المشهديات والغضب غير المستل من جوانية العواطف، وهذه الأمور برأيه لا تصنع روايات كبيرة لمجرد حضورها لأن الروايات الكبيرة تشبه الأرض بحضورها وتشبه المجتمعات بتكوينها، إذ ليست العواطف والوصف والغضب والمشهديات سوى مفردات ليس بمقدورها وحدها أن تصنع الروايات الكبيرة، ويذكّرنا د.حميد بأن روايات كثيرة جداً تحدثت عن زلزال الحرب النابليونية التي اجتاحت بلاد الروس، ويتساءل أين هي الآن ولماذا لم يبقَ منها سوى رواية تولستوي “الحرب والسلم” ويجيب ليؤكد أن السبب يعود إلى أن هذه الرواية لم تكتفِ بالظواهر والوصف واللحظات الآنية وإنما مضت إلى جموع الناس والأزمنة والغايات والأحداث لتصنع رواية ليس من ملح لها سوى ملح الوطنية.

الأعمال الجيدة تحتاج إلى سنوات
أما الناقد عماد فياض فيرى أن جميع وسائل التعبير “قصة قصيرة-رواية” يجب أن تتناول الأزمة السورية، مع ثقته بأن الرواية هي الجنس الأدبي الأقدر على ذلك لما لها من قدرة على النفاذ ومعالجة فترة زمنية طويلة وطرح أسئلة عميقة، وحسب اطلاعه على المشهد الأدبيّ السوريّ يجد فياض أن هناك الكثير من القصص والقصائد التي تتناول الأزمة لكنها إلى الآن ما زالت غير كافية وكأنها نوع من الواجب فقط بالرغم من أن بعض المجموعات القصصية نجحت بالتعامل مع الأزمة السورية في نفاذها إلى الجانب النفسيّ وما لها من آثار على المواطن، أما على صعيد الرواية فما زال عدد الروايات التي تناولت الأزمة السورية قليلاً وهي تعاني من عثرات لأن الأزمة السورية فيها لم تكن أساسية وإنما مجرد خلفية للمشهد، مع قناعته بأن رواية كرواية “الروح الثامنة.. ما بعد موت ما قبل حياة” لديمة داوودي حاولت أن تقول شيئاً حين تناولت التشتت الذي ينتاب الفرد بسبب الخواء المعرفيّ إلا أنها لم تدخل بالعمق، منوهاً إلى أن سبب تعثّر الرواية السورية برأيه يعود إلى حاجتها إلى الوقت الكافي لأن الأعمال الجيدة تحتاج إلى سنوات ونظرة عن بعد.

صليب الطين” من الروايات الأولى عن الازمة
ويبيّن د.اسماعيل مروة صاحب رواية “صليب الطين” وهي من الروايات الأولى التي صدرت متناولة الأزمة في سورية أنه ومع بداية الأزمة عام 2011 كان مراقباً لما يجري ليس على أرض القتال فقط وإنما راصداً لما يجري في البنية الاجتماعية لأنه يزعم من خلال قراءاته للأدب والتاريخ أن الأحداث التي تجري على الأرض ينتهي أثرها فور انتهاء الحدث، ولكن مخلّفاتها في البنية الاجتماعية والفكرية والثقافية تبقى هي الأخطر بكثير من القتل والدمار والخراب، لذلك ومن خلال نماذج رآها وعاشها ورصدها وجد الأثر الخطير على بنية الإنسان وروحه، لذلك بدأ كتابة رواية “صليب الطين” مستهدفاً التشريح الاجتماعي لأثر الأحداث على الإنسان والمجتمع دون أن يغفل ما يجري على أرض الواقع إلا أنه عمد عن سابق إصرار إلى تجاهل ما يجري على الأرض لأنه لا يزال في طور التشكيل، ولأنه ليس من مهمة العمل الأدبيّ برأيه أن يتحول إلى وثيقة أو منشور، لذلك كانت الغاية بالنسبة له هي الإنسان وفكره وهويته الوطنية، وقد أراد للرواية أن تنتهي معبّرة عن فكرة المواطَنة التي يحملها السوريّ ويجب أن يحملها من غابت عنه الرؤية وذلك من خلال شخصيات تشبهنا وتحمل آمالنا وأمنياتنا، مشيراً إلى أنه راضٍ كل الرضا عما أنجزه في هذه الرواية ولو لم يكن كذلك ما ذهب بها إلى المطبعة، وإن عدم الرضا ادّعاء كاذب طالما أنّ العمل أصبح بين أيدي الناس ولا يمكن تغييره، مؤكداً أنه كلما قرأ العمل يشكر تلك اللحظة التي كان فيها الإلهام أكبر منه فجعله يقدّم عملاً أخلص فيه للأدب والفنّ أكثر من إخلاصه لفكرة تنتهي بانتهاء الأزمة.

لايمكن تجاهل ما يحدث
في حين تصف ديمة داوودي روايتها الأولى “الروح الثامنة” بأنها رواية اجتماعية ذات منشأ سياسي لأنها تتحدث عن الأزمة التي تعيشها سورية، ولا تنكر أنها ترددت بدايةً في تناول الأزمة وذلك لصعوبة أن يكتب الكاتب عن حدث مازال يعيشه، إلا أن تجاهل ما يحدث أمر غير مقبول برأيها، لذلك أصرّت على فعل ذلك من خلال إبراز الأزمة الإنسانية، موضحة أن الكاتب يجب أن يتناول الحدث الذي يعيشه لأن تناوله بعد فترة قد يضيع الكثير من التفاصيل العامة التي لا يمكن أن يلتقطها إلا أثناء الحدث.. من هنا وجدت أنه من الضروري أن تكتب عن الحدث في وقته لكن دون فرض الكاتب لوجهة نظره الشخصية، وهذا لا يحدث برأيها إلا إذا نجح الكاتب في الخروج من ذاتيته ليتحدث عن الأزمة بكل أبعادها.. وتبين داوودي أن روايتها من أوائل الروايات التي تحدثت عن الأزمة السورية وبجرأة كبيرة ولا تنكر أن البعض اتهمها بالتسرع في حينه، إلا أنها لا تشعر بذلك لإيمانها بأنها قالت ما عندها وما تريد قوله في الوقت المناسب بعد أن شعرت أنها لا تستطيع الانتظار.

الرواية حصان جَموح
ويوضح د.جهاد بكفلوني مدير الهيئة العامة السورية للكتاب أن الهيئة لم تصدر حتى الآن أية رواية تتناول الأزمة، مع تأكيده على وجود روايتين ما زالتا قيد القراءة، منوهاً إلى أن الهيئة قامت بنشر مجموعات شعرية وقصصية ودراسات تتناول الأزمة، في حين ظلّت الرواية بعيدة عن هذا المجال حتى الآن، مبيناً أن عدد الروايات الصادرة في سورية والتي تتناول الأزمة ما زال عدداً ضئيلاً جداً، ويرى أن ذلك أمر طبيعيّ لخصوصية هذا الجنس الأدبيّ الذي يحتاج بالدرجة الأولى إلى نَفَس طويل ووقت لأن الرواية حصان جَموح وتحتاج لمن يمتلك إمكانيات وطاقات إبداعية كبيرة.
أمينة عباس