الحداد العربي على الطائرة “الإسرائيلية”
يكشف الحداد العربي المعلن على إسقاط الطائرة الإسرائيلية المعتدية، عن حقيقة الارتباط العضوي، والمصيري، بين سلالات مستبدّة حاكمة، و”كيان صهيوني” غاشم، وهو ارتباط تلخّصه المعادلة المركّبة التي تقول: لا مستقبل لأي طرف منهما إلا بوجود الآخر، كما أنه لا مستقبل حراً وطبيعياً للمنطقة في ظل وجودهما معاً، لأنهما استثمار مشترك، بتزامن الولادة وأسبابها والمراد منها، لذات الجهة الخارجية، فكلاهما تركة استعمارية استثمارية بريطانية ورثتها واشنطن مع ما ورثته من أملاك ومحميات الإمبراطورية التي غابت عنها الشمس بعد الحرب العالمية الثانية.
بهذا المعنى نفهم الصمت الرسمي العربي المدوّي عمّا حصل فجر العاشر من شباط الجاري، على أنه استشعار مباشر لحقيقة أن الصاروخ الذي أسقط الطائرة “الإسرائيلية” أصابهم في الصميم، وأن “المصاب الجلل” يجمعهم اليوم بـ “تل أبيب” كما لم يجمعهم سابقاً، وبالتالي كان لحجم المفاجأة بالإذلال الإسرائيلي أن يحوّلهم من ظاهرة صوتية لا تنتج سوى الكلام، كما اعتدناهم دائماً، إلى كتلة خرساء بالمطلق، فلا فخر بلحظة الكرامة العربية، ولا تنديد بالعدوان الإسرائيلي على بلد عربي، وكأن على رؤوسهم الطير، بحسب الموروث العربي الشهير.
والحال فإن الصمت العربي الرسمي، واللارسمي في جزء ملحوظ، وإن كان، في جانب رئيس منه، تعبير بليغ عن معضلة وعي مهزوم يعيش فصاماً هائلاً بين حقيقة القوة الكامنة في الأمة، ودور سلالات حاكمة معروفة في تضييعها، أو على الأقل وضعها في خدمة المحتل، إلا أنه، أيضاً، يكشف عن دلالات سياسية تتجاوز السياق العسكري الميداني وخسائره المباشرة، إلى الخوف الجدي من أن تؤدي التطوّرات الأخيرة إلى إسقاط معادلات عدة، دفعوا الكثير من أرصدتهم المالية، والأخلاقية، لترسيخها، وأهمها استحالة التصدي لـ”إسرائيل”، وبالتالي شيطنة من يقاومها، أو إلى حسم مصير مسارات سياسية ساعدوا في تبنيها، مثل “باريس” وورقتها الخماسية، بما تعنيه وتحمله من توجهات سياسية وتقسيمات جغرافية مشبوهة، في سياق الحرب التي يشاركون بها على سورية بهدف استهداف المكان والمكانة وبالتالي استكمال عملية الإركاع والاستتباع الدائرة على قدم وساق في المنطقة.
بيد أن التجارب السابقة تؤكد لنا أن صمت الفريق الآخر، وضمنه بعض العرب، لن يطول وأن التضليل الإعلامي الذي مارسته، ولا زالت تمارسه، وسائل الإعلام “العربية” حول حقيقة ما حدث والتزامها المطلق بالرواية الإسرائيلية، وتزامنه مع التوجيه الأمريكي الذي اختصرته بيانات البيت الأبيض ووزارة الخارجية بحق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها..!! وبالتالي عنهم وعن دوام كراسيهم، يعني أنهم بدؤوا بالتفكير الجدي في كيفية التصدي لـ “العدوان السوري” على إسرائيل..!!. وفي كيفية تعويض الذراع الجوية الإسرائيلية الطويلة التي كانت توفر الحماية لمجموعاتهم المسلحة على الأرض السورية.
مرة جديدة تثبت تطورات الحرب السورية أن بعض سلالات الحكام العرب هم أكثر المتضررين من انتهائها بصيغة تحفظ للدولة السورية مكانها ومكانتها السابقة في محور مقاومة المخططات الخارجية، لأن هؤلاء العرب لا يعيشون إلا بفضل هذه المخططات وكجزء أصيل منها، ولأن وجودهم يعتمد كلياً على بقاء “إسرائيل” وفق المعادلة المركّبة سالفة الذكر، فإن الدفاع عنها كان، وما زال، قراراً مصيرياً لهذه السلالات، لذلك ما زال القادم أصعب، خاصة وأنه لا زال من المبكر الحديث عن موعد “بلورة تسويات ترضي المنتصرين ويتحمّلها الخاسرون” نتيجة معركة هنا أو حدث هناك، لأن المواجهة، في المنطقة والعالم، لم تزل في بدايتها وإن كانت علائم النهايات وأشكالها قد بدأت تلوح في الأفق.
أحمد حسن