ثقافةصحيفة البعث

جناحا ملاك

 

في العام 2006 تمكنت قوات الاحتلال من إنهاء سنوات ثمانية من الملاحقة والمطاردة؛ وذلك باعتقالها “أبو أحمد” قائد كتائب عز الدين القسام في الضفة الغربية؛ والرجل كان يعتبر من أكثر الشخصيات التي أثارت غضب وقلق الكيان الغاصب؛ إذ أنه وقف فعلياً خلف جميع العمليات الاستشهادية التي انطلقت من رام الله لزعزعة وجوده.
حول هذه الشخصية وسواها تدور أحداث “فوضى” المسلسل الذي تم عرضه على شبكة أمريكية متخصصة في بث المواد الترفيهية عبر الإنترنيت؛ والتي غالباً لا يتم عرضها على القنوات الفضائية، بالطبع المسلسل الذي اعتمد العربية في أغلب مشاهده إلى جانب العبرية، لابد وان يكون محط اهتمام الشبكة إذ أنه يحمل الرسالة التي ينبغي إيصالها للعرب والغرب معاً بتوقيع إسرائيلي وأدوات مابين إسرائيلية و”فلسطينية” بالتحديد.
بضع حلقات من العمل “الذي يلقى رواجاً وقبولاً عالمياً ويشاهد في أكثر من مئة وثلاثين دولة” يمكنها أن تختصر الحكاية والمغزى، برغم ادعاء القائمين على العمل أن لا بعد سياسياً للمسلسل إذ صورة المستعرب جندي ينهي ساعات عمله ليعود إلى أسرته كأي رب أسرة، يعتني بكرم العنب الذي يملكه، يحل مشاكل أطفاله؛ يختلف مع زوجته ويتصالح معها، ويعيش يومياته مثل أي إنسان آخر، في رسالة إلى الفلسطيني أن هذا الذي تقتله هو بشر مثلك وإنسان بمشاعر طبيعية وليس مجرد عدو يحمل السلاح في وجهك. وهي ليست فقط الملامح التي ظهر بها دورن الشخصية الرئيسية في العمل، بل هي صفات إلى جانب الذكاء والفطنة، تنسحب على جميع عناصر وحدة المستعربين إذ يبدو واحدهم متحضراً لا يدفعه لقتل الإرهابي الفلسطيني سوى حقن دماء المدنيين الأبرياء، بينما لا يظهر الآخرون متمثلين بشخص القائد الفلسطيني إلا كإرهابيين قساة متعطشين للدماء، بعيداً عن كل صفة إنسانية، لا يتردد القائد المتخفي والمطارد عن تفجير أسيره الصهيوني؛ لا يردعه عن الأمر الخطر الذي يهدد حياة طفلته المختطفة والمزنرة بحزام ناسف من قبل دورن ذاته. أو أنهم خونة من السهل استمالتهم وتجنيدهم لمصلحتها فلا شيء يمنع أحدهم وهو الأقرب إلى القائد المطارد من قتله بكل دم بارد، متخاذلون جبناء يفشون أسرار قياداتهم خشية من التحقيق.
في المقابل يأتي فيلم الفلسطيني مؤيد عليان “التقارير حول سارة وسليم” والذي يدور حول سليم زوج بيسان الجميلة والتي يحبها، وقد انجرف في علاقة مع سارة الإسرائيلية والمتزوجة من ضابط؛ عمله الأساسي ملاحقة ومطاردة الشبان الفلسطينيين والتضييق على حياتهم، يتم اعتقال سليم من قبل المخابرات الفلسطينية بتهمة تواجده مع سارة على أنها جاسوسة إسرائيلية، لتكون هي المنقذ بالإضافة إلى شقيق زوجها، بينما يظهر الضابط زوج محب لطفلته ولزوجته الخائنة وطيب مخدوع من قبلها بمشاركة سليم الفلسطيني، الفيلم يمر مرور الكرام على حقيقة الوضع القائم في الأرض المحتلة دون الدخول في تفاصيل الصراع والنضال في وجه المحتل، يطل بخجل على ما يعانيه أبناء الأرض بينما يقدم الإسرائيلي “كما في فوضى” على أنه كجميع البشر لديه من المشاعر والمشاكل وحياة يحق له الدفاع عنها والعمل على حمايتها، ما يتيح للفيلم امتلاك الضوء الأخضر للمرور والوصول إلى العالم مهما كانت النوايا التي تقف خلف الجهة المنتجة “فلسطينية بمشاركة غربية وبعيدة عن التمويل الإسرائيلي”.
هي المحاولات المتكررة ذاتها التي يعمل عبرها لتصدير ذاته بأفضل صورة، لكن المثير للغضب والمحزن في آن معاً أن يكون من أدى تلك الأدوار ممثلون وممثلات من أبناء الأرض ذاتها، إلى جانب ممثلون إسرائيليون بعضهم خدم سابقاً في الجيش.
في الحالتين الهدف واحد إذ لطالما اعتاد الذئب ارتداء ثياب الحَمَل، لكنه الآن يحاول التحليق بجناحي ملاك.. أحدهما صنعته يد الضحية.
بشرى الحكيم