في خدمة الإنتاج والمنتجين
لأن الارتهان للاستيراد يعدّ استعماراً في أدبيات الاقتصاد السياسي، فإن سرعة التحرّك لإعادة الحياة إلى الحواضن الاقتصادية التي خرج جزء منها عن دورة الإنتاج، كانت الهدف الأهم الذي لم يجد صانع السياسات الصناعية بديلاً منه في ظل الحرج الذي طالما وقعنا فيه بسبب الاكتفاء بالتوريد الخارجي على حساب المنتج المحلي الذي بقي حتى وقت متأخر في حدود “العلكة والشيبس”.
اليوم هناك ما يظهر الكثير من الإصرار على بث الضجيج في محركات وآلات المعامل والمصانع، ولو تطلب الأمر اتخاذ خطوات تندرج تحت مسمى الطارئية على الأقل لتعويض النقص الكبير وللحدّ من سيطرة المستورد بالأسعار ومزايا الاحتكار، فخلال فترات متقاربة كانت القرارات متواترة على صعيد خلق بدائل سريعة لصناعيي حلب الأكثر تضرراً، لتشكل المنطقة الساحلية –وفق مراقبين- الملاذ الأقرب عبر صيغ إسعافية لابد من اللجوء إليها، وتقضي بنقل منشآت وتأسيس خلايا إنتاجية جديدة تدعم السوق وتؤمّن فرص عمل عاجلة.
ومع تشكل مبادرات بين الحكومة والصناعيين الذين غادروا البلاد للعودة إلى النشاط، كان لزاماً القيام بما يلزم لتأمين المناخ المواتي أمنياً ولوجستياً، وهنا كانت النقطة التي حمّل بعضهم الحكومة مسؤوليتها، وتتعلق بالتأخير في خطوات كهذه، مما فتح الباب عريضاً للهرولة نحو الأسواق الخارجية، الأمر الذي أتعب احتياطي القطع وشجّع بعضهم على الحصول على التمويل بقصد المتاجرة والمضاربة فقط؟!
ما يُنقل عن إدارة ملف المناطق الصناعية أن خلايا تعمل لوضع معظم القوانين والأنظمة في براد المحفوظات، والتوجه بانفتاح شديد على أي نية للعودة إلى النشاط ولاسيما في عدرا الصناعية، حيث لا شروط على رأس المال، والأولوية للمنشآت والورش الصغيرة التي تبلغ 70% من الناتج القومي المحلي، وبحسب المعلومات فإن أولى ثمار هذا التوجّه نقل نحو مئات المنشآت وإعادة تشغيل الكثير من المعامل مؤخراً.
الملاحظة الأهم في كل المجريات هو أن ثمة اندفاعاً من الصناعيين للدخول في معركة الإنتاج، وهذا ما تمت ملاحظته في تكدّس العشرات من الطلبات التي تنشد التسهيلات والدعم المرن، إلا أن الوجع الذي ما زال يقضّ المضاجع هو تأمين وصول المواد الأولية وحوامل الطاقة، والأهم ضمان تدفق المنتج النهائي إلى السوق في ظل اختراقات أمنية قد تشلّ حركة الطرقات والشحن.
على أمل أن تنجح وعود تسيير نحو 400 شاحنة في اليوم لتأمين مستلزمات ولادة صناعة يستميت السوق عليها، علّها تعوّض الفراغ وتعيد التوازن إلى قاطرة النمو؟
علي بلال قاسم