تونس: الخلافات تطبع العلاقات بين الحكومة واتحاد الشغل
في أعقاب رفض رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد الاستجابة لمطالبة نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل بإجراء تعديل وزاري على الحكومة، قال سامي الطاهري الناطق الرسمي باسم الاتحاد: إن الاتحاد لم يتكلم بشأن التعديل الوزاري إلا بعد ما نفد صبره من تدني أداء الحكومة، فيما بدا رئيس الحكومة متمسّكاً بالتركيبة الحالية ورافضاً ضغوط المركزية النقابية، مضيفاً: إن الاتحاد لن ينازع رئيس الحكومة في سلطته، غير أنه شدّد على أن من حق الاتحاد تقييم أدائها وإبداء رأيه في مدى تفاعلها مع مطالبه.
وفيما اعتبر الاتحاد هكذا مطلب من حقه بوصفه منظمة وطنية موقّعة على وثيقة قرطاج التي تشكّلت بناء عليها الحكومة، رأى الشاهد أن الاتحاد تجاوز دوره كقوة مدنية معنية بالدفاع عن حقوق العمال ليتدخل مباشرة في صلاحيات رئيس الحكومة.
ويعتبر الشاهد أن الشأن الحكومي من صلاحياته الدستورية باعتباره رئيساً للسلطة التنفيذية، وهو من يقرر إجراء تعديل وزاري من عدمه، غير أن اتحاد الشغل يرى، بالمقابل أنه معني مباشرة بالشأن العام بما في ذلك تركيبة الحكومة وأدائها ومدى التزامها بتعهداتها التي نصت عليها وثيقة قرطاج.
وخلال الفترة الماضية، نقل الاتحاد انتقاداته للحكومة إلى النقابات القطاعية مثل نقابة التعليم الثانوي القوية والتعليم العالي والأطباء والبريد، ليمارس من خلال التظاهرات نوعاً من الضغوط الاجتماعية والسياسية على الحكومة.
ورغم أن الشاهد شدد في أكثر من مرة على أن علاقته بالاتحاد ستحكمها سياسة الحوار والتشاور حول مختلف الملفات، وفي مقدمتها الملف الاقتصادي والاجتماعي، غير أن الاتحاد انتهج سياسة الضغط تجاه الحكومة مستفيداً من الأوضاع الاجتماعية المتدهورة، حيث ما انفك يحمّل مسؤوليتها للحكومة.
ومن أهم الملفات المرشحة لإشعال “الخلافات” بين الشاهد والاتحاد هو ملف خصخصة عدد من مؤسسات القطاع العام، التي تشكو صعوبات مالية إلى حد الإفلاس.
ووفق برنامج الحكومة فإن الإصلاحات الكبرى تستوجب إعادة هيكلة عدد من مؤسسات القطاع العام وخصخصة عدد آخر للرفع من أدائها بعد أن تحوّلت إلى عبء ثقيل على موازنة الدولة، غير أن الاتحاد لا يرى في هذا التوجّه سوى استجابة لإملاءات صندوق النقد الدولي واستهداف للمؤسسات العمومية التي تشغل الآلاف من الأجراء والموظفين.
ويرى مراقبون أن توتر علاقة الحكومة بالاتحاد هي أعمق من الخلاف حول معالجة الإصلاحات لتشمل أبعاداً سياسية تشمل دور المركزية النقابية في الشأن العام.
ويقول حمادي عثمان المختص في علم اجتماع الشغل: لا يمكن فهم تصعيد اتحاد الشغل بمعزل عن رؤيته السياسية في تسيير دواليب الدولة والتعاطي مع الأوضاع، مضيفاً: منذ قيادته عام 2014 للحوار الوطني وتنحيته لحركة النهضة من الحكم تغيّرت صورة الاتحاد كمنظمة تعنى بحقوق العمال إلى قوة مدنية لها وزنها وثقلها السياسي.
وتقول تلك القيادات: إن الحكومة تنتهج سياسة التهميش للدور المدني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي للمركزية النقابية، وهي تعتبر احتكار كل من النداء والنهضة القرار الحكومي إجحافاً بحقها وبحق القوى السياسية الديمقراطية.
ويرى هشام الحامدي الناشط النقابي وأستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية أن هناك خلفيات سياسية وراء تصعيد الاتحاد. نشطاء المنظمة هم من القوى اليسارية الديمقراطية التي تؤمن بالانفتاح، وهم لا يرون في حكومة النهضة والنداء سوى حكومة يمينية استبعدت مختلف القوى العلمانية الديمقراطية، وهذا أمر مهم، مضيفاً: هذا هو المسكوت عنه ولا يجاهر به الاتحاد، صحيح أن هناك خلافات بشأن العديد من المسائل، ومن أهمها ملف القطاع العام، لكن الصحيح أيضاً أن الاتحاد من حقه أن يبدي رأيه لا فقط بشأن تقييم الحكومة وإنما أيضاً بشأن تركيبتها.
وتبدو مطالبة الاتحاد الحكومة بـ”ضخ دماء جديدة” على التركيبة الحالية مؤشراً على أن المركزية النقابية تدفع بالشاهد إلى الانفتاح أكثر ما يكون على المشهد السياسي.
وفي ظل ضغوط اتحاد الشغل التي أخذت نسقاً تصاعدياً من جهة، وتمسك الشاهد بعدم ارتهان القرار الحكومي لتلك الضغوط، يرى مراقبون أن علاقة رئيس الحكومة بالاتحاد مرشحة لمزيد من التوترات، ويشددون على أن تلك التوترات ستتغذى أكثر من تداعيات الإصلاحات الضرورية للبلاد في جانبها الاجتماعي التي يمكن أن يستثمرها اتحاد الشغل لتعزيز ضغوطه، مستخدماً الشارع لإقناع الحكومة بأنه قوة اجتماعية وسياسية عصية على الحكومة.
تقارير