خطاب بوتين للجمعية الاتحادية
ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع انفورميشن كليرنك هاوس- 1/3/2018
ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطاباً لافتاً أمام الجمعية الاتحادية الروسية، والشعب الروسي، وشعوب العالم، كاشفاً في خطابه عن وجود مجموعة من الأسلحة النووية الروسية الجديدة التي تُظهر بلا لبس تفوق روسيا الكبير على الولايات المتحدة، ودول حلف شمال الأطلسي، ما يعني بالضرورة أن الولايات المتحدة لم تعد تُعتبر القوة العظمى.
ليس لديّ أدنى شك من أنه لو كان المحافظون الجدد المهووسون، وجهاز واشنطن الأمني ومؤسساتها العسكرية يمتلكون هذه الأسلحة، لما ترددوا بشن هجوم على روسيا. بيد أن بوتين أعلن أنه ليس لدى روسيا أطماع إقليمية، ولا طموحات هيمنة، ولا نية لمهاجمة أية دولة أخرى، ووصف بوتين هذه الأسلحة بأنها الرد الضروري على رفض الدول الغربية الدائم لقبول السلام والتعاون مع روسيا، بالإضافة إلى تطويق روسيا بالقواعد العسكرية والمنظومات المضادة للقذائف “التسيارية”.
وقال بوتين: “إننا مهتمون بالتعاون الطبيعي البنّاء مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ونتوقع أن يسود الحس السليم، وأن سياستنا لن تستند أبداً إلى تطلعات استثنائية، وأننا ندافع عن مصالحنا، ونحترم مصالح الدول الأخرى “.
وأبلغ بوتين واشنطن فشل الجهود التي تبذلها لعزل روسيا من خلال فرض العقوبات لمنع القدرة الروسية من الرد على التطويق العسكري المتزايد للغرب، ومن وجهة نظر عسكرية جعلت الأسلحة الروسية الجديدة النهج الذي تتبعه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “غير فعال”، “لم تنجح العقوبات لتقييد التطور الروسي، والذي يتضمن المجال العسكري،”لم يتمكنوا من احتواء روسيا”، عليهم أن يدركوا الحاجة لوقف إغراق القارب الذي يحملنا جميعاً”.
إذاً، ما الذي يتعين القيام به؟ هل ستعود الدول الغربية الغارقة في الديون المحشوة حتى “الخياشيم” بالصناعات العسكرية المتضخمة وغير الفعالة إلى رشدها؟ أم أنها ستكثف الحرب الباردة التي أعادت واشنطن إحياءها؟.
لا أعتقد أن الغرب سيعود إلى صوابه، وواشنطن انغمست كلياً في “الاستثنائية الأمريكية”، فالغطرسة المتطرفة ” التي لا تتخلى عنها الولايات المتحدة” ابتلى فيها الجميع، فقد اشترت واشنطن الأوروبيين ودفعت ثمنهم، وأنني على ثقة من أن بوتين كان يأمل تفهم القادة الأوروبيين عبثية محاولة تخويف روسيا، والتوقف عن تأييد استخدام واشنطن لمصطلح ” الروسوفوبيا ” الذي سيقود لنشوب حرب نووية، ولا شك أن بوتين شعر بخيبة أمل من الرد الأحمق لوزير الدفاع البريطاني جافين ويليامسون الذي اتهم روسيا باختيار مسار التصعيد والاستفزاز.
أعتقد أن المحافظين الجدد سيقللون من شأن قدرة روسيا، لأنهم لا يرغبون بقبول وجود أية قيود على أحادية واشنطن، ومن ناحية أخرى، فإن المجمع الأمني والمؤسسات العسكرية ستروّج للتفوق الروسي من أجل المطالبة بميزانية أكبر لحمايتنا من “التهديد الروسي”، وخلصت الحكومة الروسية- بعد سنوات من التجارب المحبطة لرفض واشنطن النظر في مصالح روسيا، والعمل بطريقة تعاونية- إلى أن السبب هو اعتقاد واشنطن بأن القوة الأمريكية يمكن أن تجبر روسيا على قبول الزعامة الأمريكية، وكان إعلان بوتين البليغ عن القدرات الروسية الجديدة لكسر هذا الوهم في واشنطن.
وقال في كلمته: “لم يكن أحد مستعداً للتحدث معنا، أو الاستماع إلينا، فلتستمعوا إلينا الآن”، وشدد على أن روسيا تقتني الأسلحة النووية الروسية لتحمي بها مصالحها، ولكن في حال شن أي هجوم على روسيا أو حلفائها سيكون هناك رد فوري، مع كل ما يترتب عليه ذلك، وبعد أن أوضح بوتين أن السياسة الغربية للهيمنة والترهيب أصبحت عاجزة، رفع مرة أخرى غصن الزيتون عالياً: دعونا نعمل معاً لحل مشاكل العالم.
وآمل أن تنجح الدبلوماسية الروسية في وضع حد للتوترات المتزايدة التي أثارتها واشنطن، ومع ذلك، تواجه الدبلوماسية الروسية عقبتين ربما لا يمكن التغلب عليهما: الأولى هي حاجة الجهاز الأمني والمؤسسات العسكرية الأمريكية المتضخمة لوجود عدو رئيسي كمبرر لميزانيتها السنوية البالغة 1000 مليار دولار، والسلطة التي تقترن بها، وتتمثّل العقبة الأخرى في أيديولوجية المحافظين الجدد للهيمنة الأمريكية على العالم.
تم إضفاء الطابع المؤسسي على الجهاز الأمني والمؤسسات العسكرية في كل ولاية أمريكية، فهو رب العمل، ومصدر مساهمات الحملات السياسية الكبرى، ما يجعل من المستحيل على عضو مجلس الشيوخ أو النائب أن يتعارض مع مصالحه، ولكن في دوائر السياسة الخارجية الأمريكية يبدو أنه لا توجد قوة موازية للمحافظين الجدد المهووسين، وقد أصبحت الآن “الروسوفوبيا” التي أوجدها المحافظون الجدد تؤثر على الأمريكيين.
ربما يتعين على بوتين في خطابه المقبل أن يتوجه للأوروبيين مباشرة بسؤالهم: هل خدم عداء واشنطن لروسيا المصالح الأوروبية؟! وكيف يمكن لأي بلد أوجدت فيه الولايات المتحدة منظومات القذائف المضادة للقذائف التسيارية، والأسلحة النووية الأمريكية، والقواعد العسكرية الأمريكية، أن يتوقع تجنب الدمار؟!.. فدون حلف شمال الأطلسي، والقواعد الأمامية التي يوفرها، لا تستطيع واشنطن أن تدفع العالم إلى الحرب، والحقيقة أن حلف شمال الأطلسي يشكّل عقبة أمام السلام.