سباق تسلح بلا حرب باردة
د. مهدي دخل الله
يعج الخطاب السياسي للدولتين الأعظم في الآونة الأخيرة بالحديث عن الأمن والسلاح بعد أن كان البشر يتوقعون دخولاً آمناً الى عالم تسوده المصالح الإقتصادية والتعاون التنافسي السلمي..
كان الرئيسان بوتين والأسد يحلمان بإمكانية الدخول الى هذا الأفق الرحب، أفق التعاون السلمي التنافسي الذي يحقق، على الأقل، توفير مليارات الدولارات التي تصرف سنوياً على انتاج الأسلحة… وعلى استخدامها.
كان هذا في الشهر الأول من كانون الثاني عام (2005) عندما وقع الرئيسان على وثيقة مدهشة تتحدث عن هذا الحلم، حلم العالم المتنافس المسالم. الوثيقة اسمها «إعلان موسكو» وقد رسمت أسساً لتحقيق هذا الحلم الذي على مايبدو لايزال بعيد المنال.
كنت عندها في وزارة الإعلام ولاحظت أهمية الوثيقة فطبعت منها آلاف النسخ بالعربية والروسية والإنكليزية. ومازلت أعتقد أن من أهم أسباب غضب الاستعمار الجديد على سورية هو أن بلداً صغيراً تجرأ رئيسه على رسم معالم العالم الجديد مع رئيس دولة عظمى كروسيا..
ثم… جاءت الرياح بما لاتشتهي السفن.. تمدد الناتو الى حدود روسيا مسيطراً على «أوروبا الجديدة» أي الشرقية لتكون عازلاً بين الحليفين الطبيعيين روسيا من جهة وألمانيا وفرنسا من جهة أخرى. وعوقبت سورية عقاباً مؤلماً لا أجد له مثيلاً في التاريخ على الإطلاق إذا أخذا بعين الإعتبار التطور التكنولوجي للحرب الإعلامية وحجم الأموال المستثمرة في العدوان والحرب الديبلوماسية والسياسية والإقتصادية والحجم الصغير للضحية (سورية) في معيار الأحجام الدولية.
الصمود السوري الأسطوري … تماماً ( الأسطوري ).. كان عنصراً مهماً في عملية هدم نظام «وحيد القطب». ثم بدأت مرحلة جديدة من التوازن الحرج والمتوتر يعيش العالم آلامها اليوم بكل مافي هذه الآلام من خيبة الآمال في تحقيق الحلم..
لاحرب باردة بعد اليوم.. لأن أهم عناصر الحرب الباردة هو الصراع الإيديولوجي ومعيار «الأبيض والأسود» والقطيعة التامة. اليوم الإيديولوجيا التي تقوم عليها الدولة الروسية هي ذاتها السائدة في الغرب لجهة تنظيم المجتمع والاقتصاد. ثم إننا نلاحظ أنه لاوجود «للجدار الحديدي» حول روسيا، فهذا البلد الأوراسي الكبير لديه علاقات تتطور باستمرار مع دول من خارج «الجدار» كألمانيا وفرنسا وتركيا..
لكن سباق التسلح يتصاعد لأن الغرب مازال يفكر على الطريقة الجيوسياسية القديمة وهي الوصول بسلاحه الى حدود (قلب الأرض) أي (hartland) روسيا وبعدها الصين.. وفي الوقت نفسه شعرت سورية بأن الحلم مازال بعيد المنال فواجهت الواقع بواقع أشد منه… مقاومة اسطورية..
إن سباق التسلح الجديد يتخطى حدود «النووي» ليضع أطراً جديدة خطيرة مثل «المعادل الثالث» (Third Offset) الذي يركز على الحرب الالكترونية والطيارات بدون طيار والصواريخ التي تتخطى حدود المجال الجوي الى الفضاء وغير ذلك من أدوات المواجهة..
ومازال هناك بصيص أمل للبشرية… وهو أن يؤدي هذا السباق الى حالة من «توازن الرعب» تحول دون الفناء الشامل للعالم…
mahdidakhlala@gmail.com