وفق مستجدات الحياة.. تغيّر النظرة التقليدية لمؤسسات رعاية المسنين
يحمل مجتمعنا واجب رعاية الوالدين للأبناء ضمن منظومة من القيم والأدبيات “بر الوالدين”، وخاصة في مراحل كبرهما وعجزهما، حيث لابد من خدمتهما ومساعدتهما، أو البقاء إلى جانبهما، ومن العار والمعيب التخلي عنهما، أو عزلهما في مكان يرعى المسنين كدار السعادة، وغيرها من الجمعيات التي تؤمّن الرعاية الكاملة لهما، ورغم الموقف السلبي الذي يتخذ ضد الأبناء الذين يضعون آباءهم وأمهاتهم في هذه الدور، إلا أن تغيّر الحياة ومتطلباتها فرض إيقاعه على مجمل العلاقات الإنسانية، لذلك نجد أن هذه النظرة لم يعد لها تأثيرها الكبير على تقاليدنا وأعرافنا الاجتماعية التي لا تلبي شروط الواقع في ظل متطلبات الحياة الجديدة، كهجرة الشباب بحثاً عن العمل في دول أخرى، والذي تسبب بابتعاد الأبناء، وعدم قدرتهم على تلبية متطلبات الوالدين، إلا من خلال الدعم المادي الذي يرسل عبر شركات الصرافة من بلاد المهجر، وتأمين الرعاية لهما عبر مؤسسات وجمعيات قادرة على تحقيق معادلة البر بالوالدين من خلال تقديم جميع المتطلبات لهما من مراقبة صحية ومنامة ومأكل ونظافة وغيرها.
نظرة الأهل
في زيارة لأحد مراكز رعاية المسنين التقينا خلالها ببعض المسنين لمعرفة واقع حياتهم، وما إذا كانت نظرة المجتمع مازالت ترفض وضع الوالدين في هذه الدور، حيث حدثتنا أم خالد، أنها هي من عرضت على أبنائها الإقامة في دار المسنين، وجاءت بنفسها بسبب انشغال أبنائها في حياتهم وأعمالهم، وعدم قدرتهم على تفرغهم لصعوبة الحياة، فلم ترغب بزيادة أعبائهم، وهي راضية عن أبنائها، فالمسألة لا تتعلق بعدم محبة أبنائها لها، فهم يقومون دائماً بزيارتها، ويطمئنون عليها، ويتابعون نوع الرعاية المقدمة لها، فهي ترى أن الدار مكان مناسب، حيث وجدت فيه أصدقاء لها تمضي برفقتهم معظم وقتها.
وفي لقاء آخر تعرفنا على أحد الرجال المسنين في الدار، والذي قال لنا إثر عودته إلى الوطن، بعد أن كان مقيماً في إحدى الدول الأوروبية، حيث أولاده مازالوا هناك لارتباطهم بوظائفهم وأشغالهم، لكنه رفض البقاء معهم في الغربة، وقرر العودة إلى بلده، والسكن في دار المسنين لعدم قدرته على رعاية نفسه من طبخ وغسيل وغير ذلك، ووجد أن الدار تعمل على تأمين كل المتطلبات التي يحتاجها، بالإضافة إلى الرعاية الصحية الدائمة، والاهتمام الكبير من قبل المشرفين على الدار، ويعتبر أن وجوده في الدار هو قرار شخصي، اتخذه بنفسه، لأنه الحل الأمثل في ظل الظروف الحالية، أما أبناؤه، فهم حريصون على متابعة أخباره، وتأمين المبلغ الذي يحتاجه خلال إقامته في الدار.
رعاية مجانية
يحظى جميع المسنين الموجودين في دور الرعاية بالخدمات والاهتمام، إذ لا يوجد فرق ما بين من هم مقيمون بتكلفة معينة والمقيمون مجاناً، وهنا لابد أن نذكر دور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بتقديم هذه الخدمة للمسنين الذين لم يبق لديهم معيل بعد أن دمرت الحرب منازلهم بالكامل، والبعض الآخر ممن هجّروا من منازلهم، ولم يجدوا مكاناً يؤويهم، مديرة جمعيات المسنين في الوزارة عليا سلاخ، أكدت أنه يتم العمل على تأمين مكان مناسب للمسنين المهجّرين ممن لا معيل لهم إلى دور الرعاية لتأمين السكن والرعاية لهم بعد منح الموافقة لهم من خلال جمعيات المسنين التي تعمل بدورها على الاهتمام بهم ومراقبتهم صحياً، بالإضافة لتقديم الخدمات ذاتها التي تقدّم لغيرهم من النزلاء، وتضيف: لايوجد عدد محدد للنزلاء مجاناً في الدار، ويمكن أن يصل إلى عشرة أشخاص في الدار الواحدة، هذا تماماً ما أكدته إحدى المسنات المهجّرات من مخيم اليرموك التي بيّنت لنا أن إقامتها في دار الرعاية مجانية، إلا أنها تتلقى الخدمات ذاتها التي تقدّم للمسنين الذين يدفعون أجور سكنهم، إذ لا يوجد أي فرق بين نزلاء الدار في نوع الطعام، والاهتمام، والرعاية الصحية المقدمة لهم، وهي تشعر أنها مع أهلها وإخوتها، ولا فرق بينهم.
أجور متباينة
تتفاوت تكلفة الإقامة بين المسنين النزلاء في دار الرعاية، حيث تتراوح الأسعار ما بين مبلغ الأقل، وهو 50 ألف ليرة سورية، وتصل إلى مبلغ 150 ألف ليرة سورية، وعن هذا الاختلاف أوضحت مديرة رعاية المسنين ميساء شعباني أن نظام دور الرعاية يشبه نظام الفنادق، فهناك غرف لها إطلالة، وبعضها يكون أكبر من الغرف الأخرى بالحجم، وغرف مع صالون، ولكل منها سعره الخاص، هذا ما يجعل البعض يدفع مبلغاً أكثر من غيره للحصول على ما يسبب له الراحة خلال إقامته لدينا، وهي أمور تتعلق بالرفاهية نوعاً ما، لكنها غير مرتبطة بنوع الخدمات التي نقدمها للنزلاء، حيث لايوجد أي اختلاف بينهم من حيث الاهتمام والرعاية الصحية، وتضيف: لدينا في كل طابق مشرف يتابع حالات المسنين ومتطلباتهم، كما يتواجد طبيبات يقمن بالفحص اليومي لهم، ومتابعة أحوالهم الصحية بشكل دائم، أما فيما يتعلق بحالتهم النفسية يمكننا القول: إن الجميع راضون عن وجودهم في الدار، لأنها ناتجة عن إرادتهم الكاملة، وبناء على طلبهم، ولا يوجد أية حالة أجبرت، أو تعرضت لضغوطات من الأبناء للسكن في الدار، وهم يتمتعون بروح معنوية عالية ورضا عن أبنائهم، ونحن بدورنا نسمح بزيارتهم في أي وقت، ولا يوجد لدينا أي قيود تمنع لقاءاتهم مع الزوار، ولهم مطلق الحرية في الخروج إلى أي مكان يرغبون الذهاب إليه.
نظرة مختلفة
لم تعد نظرة المجتمع لدور رعاية المسنين مرتبطة بعدم بر الوالدين، بل على العكس تماماً أصبحت فكرة وجود دار ترعاهم مطلباً لابد منه، ويعتبر من الأفكار المتحضرة، والتي يمكن من خلالها إحاطة كبار السن بجميع أنواع الاهتمام والرعاية والتقدير لاحتياجاتهم، وهنا تؤكد شعباني تغير النظرة النمطية السابقة للمجتمع، حيث بدا الجميع يدرك أهمية وجود المسنين بين أشخاص يتفهمون متطلباتهم واحتياجاتهم بدلاً من العزلة والوحدة، وهذا ما يمكن أن يجده المسن مناسباً له في أغلب الأحيان، لذلك فإن معظم الأبناء يقتنعون برغبة آبائهم، وينفذون رغبتهم، وهنا يجب ألا ننسى أن الأبناء يستمرون في تأمين تكلفة إقامتهم، والالتزام بزيارتهم، والاطمئنان على راحتهم.
ميادة حسن