الإصلاح المشروط
ما من مرة تناولت فيه الجهات المعنية قضية تحسين الأوضاع المعيشية للعاملين بأجر إلا وربطت تحقيقها بشرط أو أكثر..!
آخر هذه الشروط المعلنة: إن إنجاز عملية إصلاح القطاع العام الاقتصادي يتبعه حتماً إصلاح الأجور..!
ماذا يعني هذا الشرط..؟
يعني أن عملية زيادة القدرة الشرائية للعاملين بأجر لتناسب القدرة على تأمين المستلزمات الأساسية للحياة اليومية غير واردة قبل إنجاز عملية إصلاح القطاع العام الاقتصادي..!
حسناً.. لنفترض أن اللجنة المكلفة بإنجاز إصلاح القطاع العام الاقتصادي أنجزت عملها وتبنت الحكومة تقريرها أو مقترحاتها..!
ولنفترض أن الحكومة قررت تنفيذ رؤية اللجنة الإصلاحية، وكلفت لجنة فنية أخرى لوضع برنامج مادي وزمني للتنفيذ..!
ولنفترض أيضاً.. أن اللجنة الفنية أنجزت البرنامج التنفيذي للإصلاح .. وأن الحكومة أعطت أمر المباشرة بالتنفيذ..
بعد كل ذلك واستناداً إلى فرضية تحقيق هذه المراحل جميعها بزمن قياسي .. فالسؤال: كم عدد السنوات التي سيحتاجه إليها إنجاز إصلاح القطاع العام الاقتصادي وإصدار التشريعات والقوانين المرافقة لتطبيقه.. ليبدأ بعدها إصلاح الرواتب والأجور..؟!
هذا إذا كنا متفائلين جداً بأن إصلاح القطاع العام سيحصل خلال الأمد البعيد جداً جداً لا القريب..!
أما إذا استندنا إلى تجارب لجان إصلاح القطاع العام التي تشكلت تباعاً منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي فسنستنتج بسهولة أن الإصلاح بعيد المنال، ويحتاج إلى ما يشبه المعجزة..!
وأمام هذا الواقع الفعلي فإن عملية إصلاح الأجور هي أيضاً مؤجلة إلى أمد بعيد جداً جداً مادام تحقيقها “مشروطاً” بإصلاح القطاع العام الاقتصادي..!
هل يعني هذا أننا أمام معضلة عصية على الحل..؟
كلا.. هي ليست معضلة وليست عصية.. في حال تنفيذ الفقرة الثانية الواضحة جداً من المادة /40/ من الدستور التي تنص على التالي:
(لكل عامل أجر عادل حسب نوعية العمل ومردوده، على ألا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيُرها)..!
هذه الفقرة الواضحة جداً لا يشترط الدستور تنفيذها بإصلاح القطاع العام، ولا بزيادة الإنتاج أو النمو الاقتصادي..!
والأهم من كل ذلك فإن هذه الفقرة الدستورية تعني أنه قبل إصلاح الأجور يفترض أن يضمن الأجر الحالي متطلبات الحياة المعيشية..!
وسبق للمكتب المركزي للإحصاء أن حدد مكونات المتطلبات الأساسية للأسرة السورية باستثناء كلفة السكن، أي إن كلفة هذه المكونات معلومة لا مجهولة، ولا تحتاج إلى لجان جديدة لتحديد كلفها..!
بالمختصر المفيد: إن ربط إصلاح الأجور بإصلاح القطاع العام أو زيادة الإنتاج لاعلاقة له بتطبيق المادة /40/ من الدستور، أي (لكل عامل أجر عادل حسب نوعية العمل ومردوده، على ألا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيُرها)..!
فلماذا تتجاهل الجهات المعنية تنفيذ هذه الفقرة الدستورية لصالح العاملين بأجر..؟!
علي عبود