تحقيقاتصحيفة البعث

 أمهات الشهداء.. كبرياء وشموخ  لا ينكسر.. وعطاء بحجم وطن

منذ سبع سنوات، والربيع في وطني مختلف، فلونه أبهى، ورائحته أذكى، وحلته أجمل، نساؤه أكرم وأقدس الأمهات، لأنهن قدمن الشهيد تلو الآخر، فكان كل فرد في العائلة مشروع شهادة، ولم تبخلن “برهة” في تقديمهن قرباناً للنصر المؤزر، مؤكدات ضرورة تحقيق الهدف، وانتصار القضية التي لأجلها أهدى رجال الشمس تضحيات جسام… حق علينا أن نقدّس الأمهات اللواتي هذبن وعلّمن وزرعن في قلوب أبنائهن حب الوطن ليذودوا عن حماه أوقات الشدائد والمحن، وليكونوا نبراساً للأجيال القادمة تهتدي بنوره على دروب التضحية والفداء.

تعزيز نهج البطولة

في 21 آذار  من كل عام، عيد أمهات سورية لا يشبه أي عيد أم في العالم، لقدسيته ومكانته العالية، بوجود أمهات قدمن دروساً بالوطنية العالية والإقدام والشجاعة والتضحية، وحدهن من عززن نهج البطولة والمقاومة والكفاح ضد التكفير والاحتلال، وصبر أمهات الشهداء هو أكبر صبر على تحمّل الأوجاع والآلام التي ألمت بنا.

بعض الأمهات في وطني تنتظرن في يوم عيد الأم معايدة أبنائهن، ولو كانوا على رأس عملهم وفي مواقعهم القتالية، لكن الكثير الكثير منهن فقدن شهيداً، أو أكثر في هذه الحرب الظالمة، والتي دخلت عامها الثامن، لتعايدهن بالرحمة والمغفرة والذكرى.

بيوت العز

وإلى منازل بعض أسر الشهداء سارت خطانا قبل يوم عيد الأم حاملين معايدات خاصة لأمهات عظام، فكانت اللقاءات مؤثرة والمواقف صعبة، والبداية من منزل الشهيد أحمد معلا من قرية مطرو، باركنا لوالدته سهام أحمد عبد الله بشهادته، فرغبت أن تحدثنا قليلاً عنه، فقالت:  طُلب معلا للاحتياط، وقبل أن يأتي موعد التحاقه سارع بتقديم طلب استعجال للالتحاق فوراً، وعندما كان يأتي موعد إجازته كان يرفضها، ويقول للضابط: أقسم أنني لن آخذ إجازة حتى أقتل مئة مسلح، أو بعد أن أمضي سنة خدمة بالجيش.

العطاء كبير والتضحية أكبر

وعندما اقتحمت العصابات التكفيرية حاجز برزة بريف دمشق، استشهد معلا وثمانية من العناصر، وذلك في 29/8/2013 ، وأشارت والدته إلى أن جثمانه الطاهر لم يأت بعد، وعبّرت عن حزن دفين: لا أعلم كيف سأعايده، يحمل عيد الأم  غصة وحرقة، جميع الأمهات يزرن أضرحة أبنائهن، أكتفي بالنظر إلى صوره وضمها، والدعاء له بالرحمة والمغفرة، ولأمنا الكبرى سورية بالنصر والفرج القريب، ولوالدة الشهيد معلا ثلاثة شبان في الجيش نذرتهم لسورية، أم الكل، وتابعت: شهادته فخر لنا جميعاً، فلولا تضحياتهم ما كان لنا وطن، أتمنى الخير لأبنائي، ولكل جنود سورية البواسل، العطاء كبير، لكن يجب أن تكون التضحية أكبر.

مرفوعة الرأس

نجوى علي، والدة الشهيد أحمد حسين العكاري من قرية الصفصافة، قامة أخرى من قامات وطني، حدّثتنا عن ابنها البار، خدم البطل العكاري بالرصافة في ريف الرقة، وكان يهيئ نفسه للزواج، لكن علم الوطن احتضنه وزفه عريساً غالياً، تقول والدته: حنيته عليّ لا توصف، وأنا عاجزة عن الحديث عنه، هو البكر بأولادي، لم يمر عيد أم إلا وأحضر لي هدية، وكان يجمع العائلة، ويلم شملها بعد وفاة والده، حيث كان الأب والابن الحنون، كان زهرة البيت، حمل مسؤولية إخوته، مضيفة: يمر يوم عيد الأم، وأنا أفتقده، وأحن إلى كلماته، لكن سأزور ضريحه، وأعتبر زيارتي جزءاً بسيطاً من رد جمائله وفضائله عليّ وعلى إخوته… هديتنا إلى أمنا سورية بأن تبقى مرفوعة الرأس، حرة بوحدتها الوطنية، وأن تكون تضحيات أبنائها فداء لأمنها واستقرارها.

عدم الرضوخ والاستسلام

من لا وطن له، لا كرامة له، على أمهات الشهداء أن يفخرن بشهادة أبنائهن، لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، نؤمن بالنصر يقيناً، وبالشهادة والشهداء عزة ورفعة.. بهذه الكلمات بدأت نوال بلول، والدة الشهيد سالم محي الدين إسماعيل من مطرو حديثها عن ابن سورية البار، والذي كان مترجماً في شركة بترو كندا للغاز بحمص، استشهد أثناء ذهابه إلى دوامه مع ستة من رفاقه بتاريخ 3/9/2012، وذلك في العقيربات بحمص، فقبل أن يصلوا إلى مكان عملهم  نالت أيادي الغدر والإجرام  منهم رمياً بالرصاص الغادر، وكان دائماً مصراً على الذهاب إلى دوامه تحت المخاطر والقنص، وكان يقول لوالدته: إذا لم نذهب إلى دوامنا سينهبون حقول النفط ومعمل الغاز، ودولتنا وشعبنا أولى بهم، ولن نسمح لهم بالسيطرة على مقدراتنا وأرضنا… وتذكرت والدة الشهيد إسماعيل ابنها في يوم عيد الأم، حيث كان الشهيد يحضر هدايا، ويزورها دائماً، ويطلب رضاها.

ولادة الرجال

نجلاء حبيب مصطفى، والدة الشهيد رفعت إبراهيم سليمان، من قرية جوره الجواميس، تذكرت ابنها، ثم ذرفت دموع الشوق على فراقه، لكن سرعان ما تلتها ابتسامة العز والفخر، وبعد أن احتضنت بزته العسكرية، قالت: استشهد والكثير من رفاق السلاح، رحل عنا جسداً، لكنه باق في قلوبنا وفي ضمير الوطن، كل شهيد وكل مقاتل هو ابن لي، فسورية ولادة للرجال الأطهار، في ابني سليمان عنفوان وعزيمة وقوة جبارة، فمهما قست قلوب الحاقدين ومهما خربوا ودمروا، فالحق لا بد وأن يعود يوماً لأهله المدافعين عنه مهما كلفهم من تضحيات، ونحن في سورية متفائلون بالنصر المؤكد الذي يخطه بواسل جيشنا الأبي، بهمتهم وتلاحم القائد وجماهيره مع هذا الجيش الأسطوري، ليكتمل مثلث رائع، ويتوج بالنصر الكبير”، وهو ما نراه أمام أعيننا”، مؤكدة أن الوطن لا يُهدى إلا الدماء ليبقى بعزة، ويحيا أبناؤه بكرامة، وأهدت معايدة كبيرة لأمهات الوطن بعد أن غلفتها بالدعاء بأن يحمي الله بواسل جيشنا، ويثبت أقدامهم، وينصرهم على الظالمين.. وأردفت والدة الشهيد: استشهد البار سليمان عام 2015 في درعا، ولم يأت جثمانه الطاهر، وأخوه حسين مفقود في درعا /الحارة/، ولا نعلم عنه شيئاً منذ ست سنوات.

سورية بخير

أجمل ما قيل عن الأم في غناء مارسيل خليفة:

“أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها… أجمل الأمهات التي انتظرته وعاد … عاد مستشهداً… فبكت دمعتين ووردة.. ولم تنزو  في ثياب الحداد”.. هذه هي الأم السورية التي تبكي الآن دمعاً ودماً وورداً على أبنائها وشهداء الوطن.

وعندما يكون شبابنا بهذه العظمة، وأمهاتهم بهذا الحجم من العطاء والتضحية، فستبقى أمنا سورية بخير، حمى الله الوطن، ورحم جميع شهدائنا البررة “أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر”، وبارك الله بعطاء الأمهات  الصابرات، الصامدات، المناضلات.. ففي آذار هن الربيع، وعطاؤهن سيفتح الزهر والياسمين، وسينبت شقائق النعمان بحلة أزهى، وألوان أنقى، لأنها شربت من دماء الشهداء البررة، فكل عام وأنتن وسورية بألف ألف خير.

دارين حسن