هشام المليح: تملكتني حالة من التحدي والإصرار لتقديم عمل سوري مميز
شارك النحات الشاب هشام المليح مؤخراً في الملتقى الدولي للنحت على الخشب، الذي استضافته كمبوديا هذا العام كحدث ثقافي يضم ندوات وحرفاً خشبية ومشاريع وورشات عمل فنية شعبية بمشاركة نحاتين من أنحاء مختلفة من العالم، وكان المليح الفنان السوري الوحيد المشارك في الملتقى الذي حمل عنوان “الحياة” ليؤكد للعالم أجمع بأن السوري حاضر وموجود وقادر على الحياة رغم الموت المحيط بوطنه، وعن تفاصيل مشاركته وخصوصيتها أوضح المليح قائلاً: تمت دعوتي في عام 2017من قبل منظمة الخشب العالمية ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية، وحينها لم أستطع الذهاب بسبب رفض السفارة الأمريكية في بيروت، ولكن في هذا العام كانوا مصرين على تواجدي ومشاركتي في هذا الملتقى العالمي.
شغف وخشب
يملك المليح شغفاً كبيراً بالخشب يدفعه ليكون رفيق دربه وشغله الشاغل حيث يقول: اهتمامي بالنحت على الخشب دفعني بقوة نحو الغرائبية في أعمالي التي تعود بي إلى الماضي وإلى طبيعتي الخاصة، وإنتاجي للكثير من المنحوتات الخشبية وتركيزي على هذه الخامة، هو ما جعل المنظمة تهتم بدعوتي، وفي البداية تم تصوير لقاء داخل مشغلي تُرجم إلى الإنكليزية لكي يُعرض على لجنة المنظمة ليكونوا على إطلاع ودراية أكثر من خلال حديثي عن الأعمال الخشبية وتوظيفي للمادة بشكل يناسب هدف هذه المنظمة، لهذا السبب تمت دعوتي مرة أخرى في هذا العام (2018) إلى كمبوديا، لأن الملتقى سنوي وفي كل عام يُقام في بلد مختلف، وبيّن أن هدف المنظمة هو نشر السلام والحوار بين مختلف الثقافات، لهذا يتم اختيار فنانين من جميع دول العالم ليجتمعوا في مكان واحد، وقد ضم الملتقى نحاتين من الإكوادور وكوريا واليابان وجنوب إفريقيا والأرغواي والأرجنتين والبرازيل.
كنت السوري الوحيد الذي تم اختياره للمشاركة في هذا الملتقى العالمي- يقول المليح- وهذا أعطاني فخراً وحافزاً كبيراً، رغم أن الكثير من الجنسيات الأخرى كانوا أكثر من شخص من نفس البلد، وبالطبع هذا خلق في داخلي حالة من التحدي والإصرار على تقديم عمل مميز، ويؤكد المليح بأن الفن السوري وخاصة فن النحت يُعتبر أولى الفنون في بلاد الشام، والفنان السوري لديه مخزون ثقافي بصري فني متوارث مزروع في الجينات تدفعه للحنان والحساسية لأبسط الظواهر والانفعالات المحيطة به.
“الحياة”.. جسر للسلام
الملتقى الذي حمل عنوان “الحياة” كان جسراً للسلام وطريقة أخرى للحياة التي يخلقها الفنان في عمله الخشبي، فيقول المليح: الملتقى جعلني أكثر يقين أن فكرة السلام يمكن أن نصل إليها بأبسط الأدوات والخامات (خشب بأنواعه)، ضمن أرض فتحت ذراعيها لاستقبالنا، فالخشب بنفسه رابط للحياة ورابط للإنسان بهذه الأرض، وقد قدمت عملاً من وحي عنوان الملتقى (الحياة) يمثل المرأة الحامل بشكله المباشر، ولكن كان المقصود من هذا العمل ليس الأنثى الإنسانية فقط، وإنما قصدت فيها الولادة بكل ما تحمله هذه المفردة من معنى لهذا العنوان، فالإنسان أكبر من الدورة الخالدة للميلاد، هو كائن يشكل نفسه باستمرار ليشكل العالم حوله وهذا كان محور موضوع العمل الذي قمت بإضافة رموز غير مباشرة إليه، مرتبطة بجغرافية وهوية المكان أي المدينة “سيام ريب” وأدخلت عناصر وتعبيرات فنية ترمز للمياه وكائناتها لأنها تطل على المحيط الهندي، في محاولة مني لملاءمة العمل مع الواقع الذي تتعدد جوانبه إلى غير نهاية، وأشار إلى أن مشاركته في الملتقى تغني خبرته لأن ما يزيد خبرة الفنان هو الاتصال المباشر مع الجمهور سواء كان يحمل من ثقافة بلده أو من الثقافات المختلفة، لأن الحوار مع مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية يدعم تجربة الفنان.
رقي المجتمع
وعن دور الفنان في خدمة قضايا المجتمع والإنسان يرى المليح بأن كلمة فنان لفظ عمومي بحت،وفي الفنون القديمة كان الفن في خدمة رسالة واحدة ويحمل منهجية محددة تتمثل بالعقائد الدينية وخدمة الإله، ويمكن أن نعتبر أن مع بداية القرن التاسع عشر بدأ الفنان يتحرر من القيود والمواضيع المفروضة عليه من قبل الكنيسة والبرجوازيين وأصحاب السلطة، فأخذ الفنان بتصوير موضوعات عفوية متمثلة في المجتمع، ومنها انتقل لتصوير قضايا أكثر خصوصية تهم الإنسان وهذا صنف من الفنانين المدافعين عن القضايا بأساليب فنية متعددة، وأيضاً هناك من الفنانين من يحاول الوصول إلى جوهر الحياة، أو أن يعبر عن تجارب نفسية يكون لها وقع واتصال مباشر مع المجتمع،لافتاً إلى أن الفنان له أثر إيجابي مرئي طويل الأمد أياً كان أسلوبه وله دور أساسي في رقي المجتمع وتفتح ذائقته الفنية والبصرية ووسيلة لإيجاد التوازن بين الإنسان والعالم المحيط به، فالفن يكسب الخبرة لمن يتذوقه ليخرج الفرد من عزلته إلى كمال مجتمعه محاولةً منه للوصول إلى المنطق وإلى عالم أكثر مثالية.
لوردا فوزي