“عشق على مقام وطن”.. احتراق الوجد في نيران الحرب
مثلما الموسيقا تُبنى على مقامات تبوح بمعانيها كذلك العشق يُبنى على مقامات الوجد والشغف والغرام والوله والحزن والغزل، إلا أنني اخترتُ صوراً من العشق في ظل الحرب الإرهابية التي واجهتها سورية، بهذه المفردات بدأ حديثي مع الشاعرة خلود قدورة التي جمعت بين العشق والشام وباحت بهواجس الأنثى العاشقة، الأنثى الأم، الأنثى الشام والقدس، الأنثى التي تجد نفسها في سطور قصيدة.
قدورة التي تأثرت بصور شاهدتها لحبيبة تنتظر حبيبها الذي استشهد، لأم تنتظر ابنها المفقود، وثّقتها بقصائد سطرتها عبْر تفعيلات الشعر العمودي وأساليب البلاغة بتركيب صورها، وبتنوع قوافيها بين الهمس والجهر المتناغمة مع مضمون القصائد، لاسيما أن لحروف القوافي والروي دوراً في وصف الحالة الشعورية للنصّ. وتميّز الديوان بفيض مشاعر الوجد بكل ألوانه في اللقاء والغياب وبقوة التعبير وجمالية المفردات:
في لهفة الأحداق توق مدامعي/والقلب دونك ما أحبّ وأبصرا
وقعت الشاعرة قدورة ديوانها في أمسية في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة بمشاركة الشاعرين صالح هواري وسمر التغلبي وإدارة الشاعر رضوان قاسم.
وأوضحت قدورة بأن عنوان الديوان شامل لايتعلق بعنوان قصيدة منه، وأنه يوحي بأن القصائد وطنية إلا أنها قصائد عشق في ظل الحرب الإرهابية التي واجهتها سورية، واختارت أن تقرأ لجمهورها القصيدة الأقرب إلى ذاتها قصيدة”أنا والشآم” التي دمجت بها بين لهفة اللقاء وقاسيون، بانتظار أنثى لاتملّ من السؤال:
أنا والشآم لنا غائب/سيأتي سيأتي فلا تعجبوا/الوطن المسبي
وأثنى الشاعر رضوان قاسم على مضمون الديوان بقوله “هل يوجد أجمل من العشق من نبض القلوب الدافئة” ليبرهن ديوان الشاعرة قدورة بأن الوطن يستحق العشق والعشق يستحق الوطن، فكتبت آلامها وشوقها إلى ذاك الوطن المسبي من سنين. وركز على اعتماد الشاعرة على الشعر العمودي وأوزان البحر الكامل والبسيط في أغلب القصائد.
سيمفونية غنائية
الشاعر صالح هواري أثنى على الانسيابية الغنائية في قصائد خلود قدورة التي شكّلت سيمفونية الجرح الذي في داخلها من خلال حماسها وشجاعتها في دخول منطقة الشعر وهي مسلحة بوسائل تعبيرية أتقنتها، وبتعلمها علم العروض لتنساب تفعيلاتها انسياباً. ويتابع هواري بأنه لم يجد تكلفاً بصنعة بناء القصيدة باستثناء بعض الزوايا المتناثرة في الديوان، لترتبط تلك الغنائية بالموسيقا الشعرية، “شاكس كما الأطفال فوق دفاتري”، لينتقل إلى ما وصفه بالاحتيال الذكي باستخدام اللغة”قبل الرحيل رحلنا والنوى أزفا” ليدخل بالصور الفنية وأساليب البلاغة التي اعتمدت عليها الشاعرة في التراكيب اللغوية، فيرى هواري أنها اعتمدت على البلاغة التقليدية من خلال العلاقة بين المشبه والمشبه به” وجهها قمر”بأسلوب بعيد عن الصورة التركيبية التي تهدم هذه العلاقة، ومن خلال الاستعارة والكناية، ليحلل بدقة اعتمادها على علم البديع بأساليب الجناس والطباق والمقابلة والترصيع والتصريع، مثل الجناس التام في:
إني عشقتك حتى قبل تكويني/والبعد نار أخاف النار تكويني
باستخدام مفردة تكويني بمعنى مختلف، وكذلك لجوئها إلى التورية وإلى قدرتها على توليد المعاني والجرأة بالبوح.
التناص القرآني
وجمعت القراءة النقدية التي قدمتها الشاعرة سمر التغلبي بين المضمون العام للديوان والدراسة الفنية للقصيدة مبتدئة من العنوان”عشق على مقام وطن” الذي جاءت قصائده نبضات أنثى تتراقص وجعاً وتختال عشقاً، لتنتقل إلى عناوين القصائد المتنوعة فبعضها جاء بكلمة واحدة مثل”طيوف- وصية- عيد” وأخرى بثنائية مثل”عيد الشمس- فتات الحلم- ومضة طيف”، إضافة إلى العناوين التي شكّلت جملة فعلية أو اسمية مثل”إن ضاعت القدس- العشق في وطني” أو شبه جملة مثل”بين احتراق واحتراق- في يوم ميلادي” لتتابع إلى العناوين بصيغة السؤال “أتذكرني” أو صيغة التعجب”ما أظلمك”، لتصل إلى أن معظم العناوين كانت كاشفة تشي بمضمون القصيدة.
وتعمقت التغلبي بمضمون القصائد فوجدت بأنها تراوحت بين الوجداني الغزلي الرقيق والذاتي الحزين مثل
ملامحي رُسمت مثل الشتاء أسى/منذ ابتدأتُ وحزن الكون يعنيني
وبين الوطني الذي جاء بعضه هادئاً وبعضه الآخر كان ثائراً،مثل:
يا قوم كونوا رجال الحق لو مرّة/ قد بعتُم العرض يا للكأس كم مُرّة
وبعض القصائد جمعت بين الحب والوطن لتجمع الشاعرة قدورة بين القدس والشام:
أنا للقدس أنسابي تعود/ولي في الشام عشق لا يحيد
وانتقلت التغلبي لتحليل الشكل الفني للقصيدة إذ اعتمدت الشاعرة على العمودي بطغيان البحر الكامل والبسيط باستثناء قصيدتين اتخذتا شكل التفعيلة” ما أظلمك – في المقهى”، أما من حيث القوافي فتنوعت بين أحرف الهمس والجهر وما بين الساكن والمتحرك واستخدمت القافية الصعبة واستطاعت تطويعها مثل الذال والضاد. وتوقفت عند التناص القرآني في القصائد” للتين والزيتون أعلنت الهوى” كما تحدثت عن بعض الانزياحات مثل” قد كان دفئك ثلج روحي جمره” ورأت أن الشاعرة استخدمت مفردات أنثوية مثل مخاض، أجهض، لتصل إلى المفردات المتناقضة والتي تشكل جرساً موسيقياً بلقائها مثل”مخاض عقيم” وأشادت بوحدة البيت الواحد في معظم القصائد.
جاء الديوان الصادر عن دار شاعر العرب في مئة صفحة من القطع المتوسط. ورغم جمالية القصائد إلا أن الديوان لم يخلُ من بعض الهنات بالأخطاء النحوية والأخطاء بالوزن في مواضع كما ذكر الناقدان. ويأتي الاعتراف بهذه الأخطاء لتعزيز مسيرة قدورة الشعرية.
ملده شويكاني