اقتصادصحيفة البعث

خشية الوقوع في مطب الروتين إشكالية العمل بروح القانون تطرح نفسها كخيار في ظل عدم لحظ القوانين لطبيعة عمل المؤسسات

لاشك أن القوانين والأنظمة تعتبر المنهج المحدد لسير عمل أية مؤسسة أو إدارة، إنتاجية كانت أم خدمية بهدف الوصول للخدمة والمنتج المثاليين، وتتباين هذه القوانين بين مؤسسة وأخرى حسب طبيعة وآليات عملها فلكل واحدة مهمة وبرامج محددة تتوافق والهدف المنشود من إحداثها، فالنظام المالي للمؤسسة العامة للمعارض – على سبيل المثال – يختلف عن نظيره الخاص بالشركة العامة للبناء، رغم وجود قانون عام ينظم عملهما، والسؤال المطروح هنا إلى أي حد تراعي القوانين طبيعة كل مؤسسة على حدة، وما أهمية تباين هذه القوانين في خدمة أداء هذه المؤسسات..؟ كما أنه ألا يجدر وبحكم الظروف الراهنة أن تعطى كل مؤسسة مرونة تخولها من تطبيق روح القانون حتى تتمكن من تسيير أمور البلاد والعباد، بدلاً من التقيد بالنص الحرفي للقانون، وبالتالي الدخول في غياهب البيروقراطية والروتين المقيتين..؟!.

لكن في المقابل يبدي البعض مخاوفه من أن فتح أبواب جديدة للفساد في حال إعطاء مؤسساتنا مثل هذه المرونة، وتعليق تجاوزات وإخفاقات مُسيّريها على شماعة الأزمة، على اعتبار أن الفساد لا يتعلق فقط بسوء النوايا وما يتمخض عنه من تجاوزات وصفقات مشبوهة، وإنما له علاقة أيضاً بسوء وتطبيق القوانين حتى لو كانت بحسن نيّة..!.

اختلاف

يوضح المختص في الشأن الإداري الدكتور زكوان قريط أنه عندما وضعت وزارة المالية النظام المالي للمؤسسات -على سبيل المثال لا الحصر- أخذت بعين الاعتبار طبيعة وآلية عمل كل واحدة، فالنظام المالي للمؤسسات الخدمية يختلف عن نظيره في الإنتاجية، فلكل واحد منهما قواعده الخاصة به كما أن تطبيق القانون المالي في مؤسسة لها موارد ذاتية يختلف عن أخرى ليس لديها هذه الموارد.

ويستشهد أحد مصادر جامعة دمشق في هذا السياق بالمعهد العالي لإدارة الأعمال “هبا”، مبيّناً أن لديه إمكانية لتوزيع مكافآت وإحضار محاضرين بأجور عالية كون أن المعهد يتقاضى أقساطاً من الطلاب، علماً أنه جامعة حكومية مثله مثل جامعة دمشق وكلاهما يخضعان للقوانين والأنظمة النافذة المتعلقة بالتعليم لكن المعهد لديه قانون مالي يختلف عن قانون جامعة دمشق، ما أعطاه مرونة أكبر لعمله، مشيراً إلى أن هناك قانوناً عاماً لجميع المؤسسات وأن التعليمات التنفيذية هي من تتيح هامش من الحركة للمؤسسة بحيث يتناسب مع طبيعة عملها.

كما أن القانون العام في مجال التعليم يحدد نصاب أساتذة الجامعة بـ 12 ساعة أسبوعياً، وهذا الأمر يطبق على جميع الجامعات السورية “دمشق ..حلب.. تشرين.. الجامعة الافتراضية.. إلخ”، بينما النظام المالي يختلف من جامعة لأخرى، حيث إن لدى بعضها موارد أكثر من غيرها فسقف الأجر للمحاضرة في جامعة دمشق مثلاً قد يكون أقل من السقف المعتمد في جامعة أخرى..!.

شفافية

يلاحظ المتتبع لحالات الفساد وما يكتنفها من أساليب ملتوية، أن بعضها ناتج عن العمل بروح القانون، والتذرع بالعمل وفق “مبدأ المرونة”، والابتعاد عن الروتين، وهنا يتوجب أن يكون لكل قانون حدوداً واضحة وشفافة لسد أية ثغرات قد تجعل الموظف يتلاعب مع المراجع، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأمور المالية والضريبية، فالقانون في هذه الحالة لابد أن يحدد للمكلف ماله وما عليه، تفادياً لأية محاولة من قبل الموظف قد تدفعه لدفع رشوى بغية تخفيض مبلغ التكليف، وبالتالي إضاعة موارد على خزينة الدولة..!. ويوضح أحد المفاصل الإدارية أن القوانين لم تلحظ بشكل عام طبيعة المؤسسات وحيثيات عملها، ولكن اللوائح الداخلية لهذه المؤسسات يمكن أن تقوم بهذا الدور في حال تم إعدادها بشكل سليم يلبّي احتياجاتها، خاصة في هذه المرحلة الاستثنائية بالذات، مركزاً على ضرورة إمكانية التعديل من وقت لآخر دون الرجوع إلى الجهات العليا، مبيّناً أنه في السابق كان لابد إلى مراجعة مجلس التعليم العالي في حال ارتأت إدارة المعهد العالي للتنمية الإدارية “على سبيل المثال” إضافة أو تعديل مقرر لكن التعديلات الأخيرة في القوانين سمحت لمجلس الجامعة باتخاذ قرارات في مثل هذه الحالة، وذلك بهدف تحقيق المرونة المطلوبة بالعمل.

وبين هذا المفصل أنه يعمل لدى العديد من مؤسسات الدولة، ووجد أن القوانين الحالية فيها بشكل عام كثير من المعوقات لسير عمل المؤسسات نظراً لمحدودية الصلاحيات الممنوحة لمدرائها، لافتاً إلى أنه في السنوات الأخيرة فتحت الدولة نافذة لتعديل القوانين بشكل أسرع من السابق، فبعد أن كان يتوجب الرجوع إلى جهات عليا من أجل تعديل قانون صغير أو لائحة داخلية أصبح بالإمكان التعديل في بعض الحالات، منوّهاً بأن أهم خطوة لمحاربة الفساد وحماية المواطن تتمثل بوضوح القوانين وشفافيتها مهما كانت طبيعتها، إلى جانب وجود الكفاءات المهنية القادرة على تسيير الأمور بشكل يتوافق مع الإطار العام للقوانين والأنظمة النافذة.

قشور

ويرى أحد المدراء العامين أن الأنظمة والقوانين وجدت لتنظيم العمل، “لكننا للأسف دائماً منفعلين وليس فاعلين”، أي أنه في حال حدوث حالة خلل معينة “نتعامل معها برد فعل ينسحب على الجميع” كأن يطلب مدير ما أحد موظفيه لغرض معين، وبالصدفة يكتشف المدير أن الموظف تأخر عن عمله لسبب ما قد يكون مبرراً وخارج استطاعته، عندها يصدر المدير قرارات وتعاميم تؤكد على كافة العاملين عدم التأخر عن الدوام ومحاسبة ومعاقبة كافة من لا يلتزم بتوجيهاته..الخ، وبذلك يذهب الصالح بالطالح، كونه أكد على كافة الموظفين وليس المقصرين، واعتبر أن هذا يشكل إساءة للآخرين المنضبطين، وأن المبالغة في التركيز على مثل هذه القرارات يعني عدم وجود متابعة حقيقية للإدارات وسير عملها، والأدهى من ذلك هو عدم تفهم روح القانون، بدليل أن هذا المدير غالباً ما يتجاهل مواطن الخلل الرئيسة، دون مراعاة تأثيرها على صلب عمل مؤسسته.

 

بين الخاص والعام

يجمع أغلب المراقبين على تفوق القطاع الخاص على نظيره العام بإدارة شؤونه، سواء الإدارية منها أو الإنتاجية، وذلك بسبب ما يتمتع به – حسب قريط – من حرية ومرونة أكثر من العام، فمدير أي مؤسسة عامة غالباً ما يجد صعوبة بنقل أو طرد من لا يتقيد بالنظام كونه يتقاضى دخلاً قليلاً، إضافة إلى أن العامل العاطفي يجعله يتغاضى عن تقصيره، في حين إن القطاع الخاص حاسم وليس لديه استعداد لتحمل أي تقصير ويسرح المقصر دون أن يسأل عن مصيره، على عكس العام الذي يحاول أن يعالج الأمور دون تسريح بهدف حل مشكلة البطالة.

ونخلص إلى نتيجة مفادها أن هناك بطالة مقنعة في أغلب دوائر الدولة، لدرجة بات فيها من الأفضل لبعض الجهات أن تبقي موظفيها في بيوتهم مع الإبقاء على رواتبهم لأن وجودهم في وظائفهم يعطل زملاءهم المجدين إلى جانب أن عدم دوامهم يوفر على المؤسسة نفقات الذهاب والإياب، وما إلى ذلك من ماء وكهرباء.. إلخ.

ح . النابلسي

hasanla@yahoo.com