تحقيقاتصحيفة البعث

ذراع حكومية تلوّح بمعايير جودة خاصة في تنفيذ المشروعات الإنشائية

تضاهي دراسة المشروعات في الأهمية  عملية تنفيذها إذا لم تفوقها في الحساسية بوصفها القاعدة التخطيطية والتفصيلية والبيانية والإحداثية الشاملة التي يخرج منها المشروع إلى النور والواقع بكل سماته ومعاييره ومكامن قوته وضعفه وبتميّزه وتعثّره، وهذا ما يتم تداوله في القطاع الهندسي “الدراسة هي الأصل” تعبيراً عن خروج المشروع من رحم دراسته، ما يعكس دور الجهة الدارسة في وضع مخطط وهيكلية  المشروع  وتصميمه، وحتى برنامجه الوظيفي والتشغيلي في كثير من الأحيان، ما يضاعف من المسؤوليات التخطيطية والهندسية، ولذلك فمن البديهي أن تكون هذه الأعمال سوقاً حقيقية بكل مقاييس السوق، ومعادلاتها التنافسية والتجارية في جميع القطاعات سعياً للحصول على جبهات عمل كغيرها من الجبهات الإنشائية والإنتاجية التي تعود للدارس بعائدات وإيرادات ليست بقليلة، ولاسيما حين تتصدى الجهة الدارسة لمشروعات كبيرة واستراتيجية.

رهان الجودة والمواصفة

فكما هناك مشروعات تكسب رهان الجودة والمواصفة في الدراسة، ففي المقابل هناك مشروعات تتعثّر وتتأخر بثغرات في دراساتها ليكون التنفيذ تحصيلاً حاصلاً  في  المشروعات وفقاً لمعطيات الدراسات الموضوعة لها،  وقد جرى  التنبّه – ولو متأخراً – لأهمية الدراسات في دفع عجلة المشروعات في محافظة اللاذقية التي كان لها مخاض عسير وطويل مع دراسة أهم مشروعات تطوير وتوسيع مدينتها التي تأخر وتعثّر مخططها التنظيمي سنوات عديدة، تغيّرت خلالها المعطيات والإحداثيات والمؤشرات، فسبّب هذا التأخر إرباكاً تخطيطياً معقّداً، استوجب تقديم أكثر من 11 ألف اعتراض عليه حينها، وذلك بعد الإعلان عنه، وكانت الدراسة وتعديلاتها هي المسبّب لهذه المشكلة التي استمرت أكثر من عشر سنوات، ما يكشف بوضوح شديد الأهمية القصوى للدراسات الهندسية والفنيّة والتخطيطية في مسار كل مشروع وسلامته ومواصفته وجودته بشكل عام.

دور محوري

ويرى الدكتور المهندس  سراج جديد، مدير فرع الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنيّة في المنطقة الساحلية، أن شركة الدراسات تعدّ من أهم أدوات الحكومة في مرحلة إعادة الإعمار بوصف الشركة الاستشاري الأول في إعادة الإعمار، وهي عين الدولة على المشروعات الحكومية، وبالتالي فإن دخول الشركة بانطلاقة متجددة في هذه المرحلة الهامة يحتّم أن يكون لها الدور المحوري في المجال العملي في ضوء ما تملكه من طاقات هندسية احترافية خبيرة ومتمرّسة وطواقم متخصصة لديها كل الإمكانات للانطلاق في هذه المرحلة بشكل علمي واقتصادي، ووفق الخيارات المثلى، ولفت إلى أن المشروعات التي ينجز فرع الشركة دراساتها وتدقيقها في المنطقة الساحلية تشمل الإشراف على 19 مشروعاً في محافظة اللاذقية، و20 مشروعاً في محافظة طرطوس، ودراسة 20 مشروعاً في المحافظتين، ويتطلع فرع الشركة إلى الإقلاع بـ 20 مشروعاً جديداً خلال العام الجاري ما بين دراسة وتدقيق وإشراف، وأوضح د. جديد أن أغلب مشروعات الفرع تعود للقطاع العام مثل مشروعات جامعة تشرين، كالإشراف على مشروع توسّع الهندسات، وكلية طب الأسنان، والمبنى الجديد للمحافظة، وتدقيق كليات جامعة طرطوس، وغيرها من مشروعات حكومية استراتيجية. مراكز خدمة المواطن في جبلة والقرداحة والحفة، تمت دراستها وتسليمها بالسرعة الممكنة، وأيضاً الإشراف على مشروعات المناطق التنموية في المحافظة والمناطق الصناعية والحرفية، والمشاركة في المشروعات الداعمة للبنية الاقتصادية والمنظومة الخدمية  للمواطن.

المنافسة قائمة

وأوضح د. جديد أن هناك منافسة في سوق الدراسات بين مختلف القطاعات، إلا أن الشركة تعوّل بشكل أساسي على الخبرات الهندسية الاحترافية التي تتميّز بها، ويعود ذلك إلى حجم العمل الهندسي المكثّف والمستمر، ما يشكّل تراكم خبرات، إضافة إلى نوعية الدراسات التي يتعامل معها المهندس في شركة الدراسات، وهذه النوعية غير موجودة خارج الشركة، وقد كانت الشركة فيما مضى أشبه بهيئة تتبع إلى رئاسة مجلس الوزراء، ومن ثمّ أصبحت خاضعة لقانون العاملين، وتابعة لوزارة الأشغال العامة، ما انعكس على الحركة داخل الشركة، وأيضاً فإن التعميم الصادر بشأن ضرورة عرض أي مشروع على شركة الدراسات ليكون لها الأولوية في دراسة مشروعات القطاع العام، أسهم في تفعيل دور الشركة كذراع استشارية رئيسية، وفي دعم حجم عملها بما يوازي طاقتها الهندسية الاحترافية، وهذا لا يعني التقليل من شأن ودور القطاعات الأخرى، وإنما تكمن هنا أهمية تمكين الشركة التي وجدت نفسها في منافسة حقيقية في سوق الدراسات والاستشارات، ولاسيما خلال الأزمة الراهنة، وما أفرزته من آثار وتداعيات على تقليص وانحسار المشروعات على مستوى الشركة.

التحوّل من الخسارة إلى الربح

ويرى د. جديد أن الإجراءات والمؤشرات التي حققها فرع الشركة برغم التحديات لتنعكس إيجاباً على حصة المشروعات التي حصل عليها خلال العام الماضي، وهذا العام بالتزامن مع الإقلاع بمشروعات التنمية وإعادة الإعمار، وأثبتت الشركة بمواصفات ومعايير وجودة مشروعاتها المنجزة قدرتها على المنافسة، بدليل أنّ فرع الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية تمكّن من استقطاب مشروعات جديدة خلال العام الحالي، وقد أسهم التوسع المحقق في المشروعات في تزايد العائدات بشكل واضح، حيث قاربت العائدات 445 مليون ليرة جراء استقطاب جبهات عمل مضاعفة بمؤشرات إنتاجية واقتصادية أكبر، وتسارع وتيرة الإنجاز،  وزيادة المؤشرات الإنتاجية، وتحقيق ريعية هي الأعلى لفرع دراسات المنطقة الساحلية قياساً بالأعوام السابقة، مضافة إليها خارطة عمل مستقبلية للعام الحالي من شأنها إعادة الدور الوظيفي الحقيقي للشركة التي أنشئت من أجله، وقد أوضح د. جديد أن إنجاز الفرع بلغ 43% من مجمل إنجاز الشركة العامة، وارتفع إنجاز الفرع الشهري الوسطي بنسبة 350% مقارنة بالعامين السابقين، ما أدى إلى تحول الفرع من الحالة الخاسرة إلى الحالة الرابحة، وبلغة الريعية فقد حقق الفرع أعمالاً بنسبة 132%، وهي الأعلى لفرع المنطقة الساحلية، كما بلغت نسبة الإنجاز من المشاريع المدورة والجديدة 124%، وقد بلغت عائدات فرع المنطقة الساحلية العام الفائت نحو 446 مليون ليرة، ويعكف فرع المنطقة الساحلية للعام الحالي على الدراسة والإشراف لحزمة واسعة من المشروعات الجديدة إشرافاً ودراسة وتدقيقاً في اللاذقية وطرطوس.

إضبارة متكاملة لكل مشروع

وبيّن د. جديد أنه في السوق الهندسية السورية ليس هناك شيء ثابت متعارف عليه، ولا توجد معايير ومحددات ثابتة، ولهذا فإن شركة الدراسات عندما تتسلّم وتتعاقد على أي مشروع، فهناك نظام معتمد لديها تتبعه في الإشراف والدراسة والتدقيق، وتسارع كخطوة أولى نحو وضع الجهة صاحبة المشروع بالتصور العام لمخطط الدراسة، والخيارات المتاحة لتلبية الغاية المنشودة من المشروع، وهذه تكون إحدى أهم الوثائق الأساسية للمشروع كبداية، كما تعمل الشركة على تعريف هذه الجهة بالجدوى الأهم من المشروع، ومن ثم يتم التعاقد على المشروع، والدراسة وفق أسس علمية سليمة، ووفق الكود السوري، مثل الكود السوري للهندسة المدنية،  وباقي الاختصاصات يتم العمل باختصاصات الكودات العالمية المعتمدة، ووفق القوانين والأنظمة، ووضع خطة للمشروع وفق برنامج زمني يتم الاتفاق عليه مع الجهة المالكة للمشروع، مع تحديد مراحل لتسليم المشروع، ومن ثم الوصول إلى مشروع متكامل من حيث المخططات التنفيذية، أو من ناحية دفاتر الشروط والمواصفات والكشوف.

بلا ملحق عقد ودون ربع أعمال

وحول ما كان يثار سابقاً عن تأخر الشركة بتنفيذ وتسليم دراسات المشاريع، أوضح د. جديد أن هذه المرحلة تم تجاوزها تماماً من خلال صيغة عمل محددة وواضحة تشمل البرنامج الزمني، وأن التزام الشركة بمعيار الدقة في عملها كان يسبب تأخراً لحين الانتهاء من إنجاز إضبارة متكاملة للمشروع المدروس، وأي مشروع تتبنى دراسته شركة الدراسات يتم إنجازه كاملاً متكاملاً من جميع الاختصاصات، دون أن يكون هناك لاحقاً عقد ربع أعمال، أو ملحق عقد، ودون الحاجة إلى تحديث معطيات وبيانات المشروع في فترة فرض هذه المتغيرات، ويؤكد جديد أن هذا التأخر الذي حصل سابقاً في مرحلة من المراحل لم يعد موجوداً، لأن الخبرات والكفاءات تعمل بشكل مكثّف لإنجاز المشروع كاملاً من كل الاختصاصات المطلوبة، ومن جميع النواحي الفنية والهندسية.

نظام تحفيز للإنتاج

ويشير د. جديد إلى النتائج الإيجابية لنسب التنفيذ في المشاريع التي يتم إنجاز الدراسات الهندسية والتصاميم المتعلقة بها بعد أن تم اعتماد أسلوب جديد بتطبيق نظام للتحفيز في فرع المنطقة الساحلية، ما أدى إلى تصاعد مؤشر المخطط البياني لإنجاز الفرع بشكل واضح، حيث تحول الفرع من الحالة الخاسرة إلى الرابحة، وأشار جديد إلى الخطوات التي تم اعتمادها بأسلوب العمل، والتي أدت لارتفاع الإنجاز الشهري الوسطي، والسبب يعود لاعتماد فكرة التحفيز المرتبط بالإنتاج، ولفت إلى مضمون الخطة التي اعتمدتها إدارة الفرع لإيصال الإنجاز الشهري إلى حوالي (70) مليون ليرة، وبيّن د. جديد أن الفرع طرح آلية جديدة لقياس أداء الموظفين تنقسم إلى قسمين: آلية لقياس أداء مهندسي الدراسة والتدقيق، وآلية لقياس الأعمال المكتبية، ولفت د. جديد إلى أن المرحلة الأولى تعتمد على تقدير الإنتاجية بطريقة بطاقات التتبع لإنجاز المهندسين بالتوازي مع جداول ساعات العمل في المشروع، كما حدث في مشروع تدقيق كلية الآداب بجامعة طرطوس، ولفت د. جديد إلى إنجاز الدراسات المطلوبة بزمن قياسي، وهذا ما يؤكد أهمية الخبرات والمهارات الوطنية التي تضمها الشركة، وإمكانية قيامها بإنجاز أعمال الدراسات والإشراف على التنفيذ للمشاريع الاستراتيجية التي سيتم إنجازها مستقبلاً كونها شركة مختصة بمثل هذه المشاريع.

الإقلاع مجدداً بالمشروعات المتعثرة والمتأخرة

وحول المشاريع المتعثرة والمتأخرة منذ الفترة الماضية، أكد الدكتور جديد أن فرع الشركة يعمل بشكل مكثّف على تصويب مسارها، ومحاولة الإقلاع بها، فهناك مشروعات كثيرة تأخر المالك إدارياً في التعاقد عليها، ما انعكس على البدء بها، وقد يعود الأمر لاستكمال المعطيات، وتأثير الروتين في العلاقات البينية، والمراسلات بين المؤسسات، وهذا يسمى تأخر دراسات، وبيّن جديد أنه لدى فرع الشركة جميع الاختصاصات الهندسية من طرق، وجسور، وتخطيط المدن والأبنية، والسدات المائية التي دخلت حديثاً في اختصاص الشركة بالتوازي مع تطوير الكادر الهندسي المتخصص، ويؤكد أن الشركة قادرة على دراسة كافة المشروعات بخبراتها المتمرسة وإنجازها خلال فترة قصيرة بجودة عالية في الدراسة والإشراف والتدقيق، ولفت إلى وضع الشركة برنامجاً زمنياً محدداً وواضحاً لتسليم المشروعات تدريجياً ومرحلياً.

مروان حويجة