دراساتصحيفة البعث

البريكسـت يعيـد رسـم تحالفـات الاتحـاد الأوروبـي

ترجمة: عناية ناصر
عن موقع بوليتيكو 14/4/2018
مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يتساءل حلفاؤها السابقون في الكتلة عن وجهة يتلقون الدعم منها، لذلك تبحث الدول الشمالية والشرقية الصغيرة في الاتحاد الأوروبي– التي لطالما تجمعت منذ فترة طويلة حول بريطانيا بوصفها الراعي الحليف– عن تحالفات جديدة لمنع فرنسا وألمانيا من دفعها نحو تكامل أعمق بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولهذا الغرض، أطلق تحالف الشمال الذي يقوده الهولنديون المعارضون للأفكار الفرنسية تحذيرات تجاه ثنائي القوة في أوروبا في الأسابيع الأخيرة، كما قامت مجموعة أوروبا الوسطى بمعارضة الجهود التي تقودها ألمانيا لجعل الدول تأخذ حصة من اللاجئين، وربط المساعدات الإقليمية للاتحاد الأوروبي بالامتثال لسيادة القانون.
ولعل تصاعد العداء في كلا المجموعتين هو أحد أعراض توازن قوى جديد غير مستقر في أوروبا، إذ إن هناك عدداً من بين الصدمات المؤثرة على استقرار الاتحاد الأوروبي، ومن بينها: تصويت بريطانيا على مغادرة التكتل، وعشرات مقترحات الإصلاحات التي قدمها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والضعف النسبي للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي خرجت بعد ستة أشهر من الجمود السياسي على رأس تحالف كبير ولكنه هش.
كانت دول التحالف الشمالي مثل السويد، وايرلندا، واستونيا، وبلغاريا تنظر إلى بريطانيا على أنها شقيقتها الكبرى في قضايا تتراوح من التجارة الحرة والسياسات الاقتصادية الليبرالية، إلى الدفاع عن السيادة الضريبية الوطنية، والوقوف في وجه روسيا، الآن، تشعر بالأسى لخروج بريطانيا الوشيك، والبحث عن طرق جديدة للحفاظ على مصالحها.
“لقد أصبحنا يتامى بعد البريكست”، قال دبلوماسي سويدي عندما سئل عن سبب توقيع الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في السويد على وثيقة وقعتها ثماني دول يسيطر عليها الليبراليون حول مستقبل منطقة العملة، والتي هي ليست عضواً فيها، “حتى الآن، كانت المملكة المتحدة القوة المحركة بين الدول التسع غير الداخلة في منطقة اليورو التي تناضل من أجل ضمان عدم إغراق مصالحها على يد مجموعة اليورو، يجب علينا الآن العثور على حلفاء جدد”.
في الواقع دخلت هولندا وايرلندا والسويد والدنمارك وفنلندا واستونيا ولاتفيا وليتوانيا تحالفاً فضفاضاً، حيث اعتبره مؤيدوه نسخة القرن الحادي والعشرين من الرابطة “الهانزية”، وهو شكل من أشكال تعامل المدن التجارية مع بعضها في العصور الوسطى، وقد أطلق عليها اسم “مارك روتي والأقزام السبعة”،
وهنا يقول المراقبون: إن رئيس الوزراء الهولندي الليبرالي اليميني الذي أبدى اهتماماً بسيطاً بالشؤون الأوروبية خلال معظم سنواته العشر الأولى في السلطة، قرر اتخاذ دور قيادي أكثر نشاطاً بسبب الخسارة المفاجئة للبريطانيين الذين يحملون الرؤى.
كان قلق روتي الرئيسي يكمن في منع البلدان الجنوبية والشرقية من “تكنيس” جيوب دافعي الضرائب، وهو يريد اتحاداً أوروبياً أصغر حجماً وأكثر هدوءاً، وأن يخفض الإنفاق عندما تغادر بريطانيا، بدلاً من التعويض عن عجز سنوي قدره 12 مليار يورو نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وذلك بدفع مبالغ أكبر من الأعضاء أو بعائدات جديدة مباشرة من الاتحاد الأوروبي، وهو يرفض أيضاً مقترحات ماكرون ووزير المالية والبرلمان بشأن ميزانية منطقة اليورو لتعزيز الاتحاد النقدي، بحجة أنه يتعين على دول اليورو التركيز بدلاً من ذلك على إصلاحات ملائمة للسوق من أجل تعزيز القدرة التنافسية.
وفي الوقت نفسه، شهدت السنوات الثلاث الأخيرة إحياء لمجموعة “فيسغراد” في بلدان أوروبا الوسطى، بولندا والمجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا التي تسعى إلى تجنب تحركات المفوضية الأوروبية لتبادل اللاجئين، والدفاع عن التحويلات الكبيرة لأموال ميزانية الاتحاد الأوروبي إلى البلدان الأفقر التي انضمت إلى الكتلة في العقد الأول من القرن الحالي، لقد حاولت بولندا وهنغاريا استخدام هذه المجموعة لحماية نفسها من الانتقاد الأوروبي بسبب تحركاتها للسيطرة على السلطة القضائية والإعلام، ولتثبيت نظام غير ليبرالي، وقد سعت مجموعة “فيسغراد”، كما هو معروف، لتوسيع نفوذها عن طريق الوصول إلى رومانيا وبلغاريا ودول البلطيق في بعض القضايا.
لم يكن أي من هذين التحالفين قوياً أو ثابتاً في نظرته إلى التكامل الأوروبي، قد يتفق الشماليون على معارضة التحويلات المالية داخل منطقة اليورو، وتعزيز السياسات الاقتصادية الليبرالية، لكن العديد منهم انضموا إلى فريق ماكرون لدعم تنظيم أكثر تشدداً للعمال، وتخفيض الأجور ومعايير العمل في أوروبا الغربية،
كما تحرك الزعيم الفرنسي لبناء صداقات جديدة، وخاصة في أوروبا الوسطى التي كان ينظر إليها حكام باريس السابقون باستخفاف، ويجوب أنصاره أوروبا بحثاً عن حلفاء لحزبه الذي ينتمي إلى تيار الوسط في أوروبا “الجمهورية إلى الأمام” في انتخابات البرلمان الأوروبي العام المقبل، الأمر الذي سيؤدي إلى بروز تحالفات جديدة إذا فقدت التيارات السياسية القديمة في الاتحاد الأوروبي قاعدتها أمام القادمين الجدد، أو الأحزاب الشعبوية الذين قد ينضمون إلى ماكرون.
وفي مقابلة مع مؤسسة روبرت شومان تضمنها التقرير السنوي للمؤسسة حول حالة الاتحاد، قال ماكرون: “لا أنظر إلى الدول الكبيرة والصغيرة، أو القديمة أو الجديدة، أو الانشقاقات التي لا يمكن التغلب عليها بين الشمال والجنوب، إن الواقع اليومي للمفاوضات الأوروبية الذي يتم فيها التعاون والتسويات يظهر عكس ذلك، لأن المصالح تتضافر في كثير من الأحيان أكثر مما تتباعد بشكل دائم”.
يقول مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: إن أحد النجاحات التي حققها ماكرون هو إعادة علاقات فرنسا مع الدول التي كانت غائبة عنها، وإحياء دورها كقوة دافعة لطموحات أوروبية كبيرة، لكنه أضاف: “لبناء التحالفات، عليك أن تتحدث مع الشركاء قبل إلقاء الخطب الكبيرة”.
تنبع القوة الحقيقية في الاتحاد الأوروبي من القدرة على منع الإجراءات غير المرحب بها، على الرغم من أن مجلس الوزراء نادراً ما يجري التصويت، ويتم التوصل إلى معظم القرارات في النهاية بتوافق الآراء، والمفتاح لتحقيق النتيجة المرجوة هو حشد أقلية معارضة تؤمن صوتاً في المفاوضات مع اللاعبين الكبار في أوروبا
عندما تتطلب القرارات إجماعاً، كما هو الحال في السياسة الخارجية أو الدفاع أو العقوبات ضد دولة عضو لإساءة استخدام الحقوق الأساسية، إذ يمكن لدولة واحدة أن تعيق العمل الجماعي، وبذلك، فإن بولندا لا تخشى فقدان تمويلها أو حقوقها في التصويت في الاتحاد الأوروبي طالما أنه من المؤكد أن المجر، تحت قيادة رئيس الوزراء المنتخب فيكتور أوربان الذي أعيد انتخابه بانتصار كبير، ستعترض على مثل هذا القرار.
لكن معظم تشريعات الاتحاد الأوروبي تتم عن طريق التصويت بالأغلبية المطلوبة، لذلك تبحث الدول باستمرار عن حلفاء لتأمين أهدافها، كان البريطانيون أسياداً في هذا المجال، حيث كانوا يفضلون التجارة مع مجموعة واسعة من الدول ودعم الحلفاء، ولم تكن لديهم مصلحة مقابل دعمهم لمصالحها الحيوية،
وينجح ذلك طالما أن بلداً ما سيبقى في الاتحاد لرد الجميل، وهكذا خسرت المملكة المتحدة الكثير من نفوذها في اليوم الذي صوتت فيه على المغادرة، ومازالت رئيسة الوزراء تيريزا ماي تحاول طلب المساعدة خلال زيارتها لحلفائها القدامى مثل السويد والدنمارك في المرحلة الأخيرة من مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولكن ليس من الواضح ما الذي يمكن لبريطانيا أن تقدمه لأصدقائها في المقابل.
التحالفات مهمة، ولكن مغادرة المملكة المتحدة جعلت ثقل ألمانيا وفرنسا أكبر نسبياً، حيث يكون بمقدورهما الذهاب أبعد من ذلك، وسيكون بناء التحالف أمراً حاسماً في المفاوضات حول ميزانية الاتحاد الأوروبي المستقبلية على المدى الطويل، والتي تبدأ هذا العام، ففي الجولة الأخيرة من عام 2013، في أعقاب الأزمة المالية، قاد الألمان والبريطانيون والهولنديون والسويديون مجموعة من الأعضاء الأساسيين الذين نجحوا في خفض الإنفاق في الاتحاد الأوروبي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لأول مرة، لكن هذه المرة، تعرض ألمانيا تقديم المزيد من الدفع للمساعدة في سد العجز المترتب على البريكست، على الرغم من أنها لم تذكر الزيادة التي ستقدمها، إن العديد من البلدان في تحالف “الهانزية” و”فيسغراد” تحتاج إلى علاقات جيدة مع ألمانيا أكثر مما تحتاج إلى بعضها البعض، لأنه عندما تتعرض للضغط، لن تؤدي الإعلانات الكبرى أو التحالفات الرسمية أو غير الرسمية إلى منعها من إبرام الصفقات بطريقة عملية مع باريس وبرلين، ستسبح الدول الصغيرة معاً، ولكن في النهاية تسيطر أسماك القرش على المحيط.