سورية.. أسطورة المقاومة
تيسير دبابنة (الأردن)
جاء العدوان الثلاثي على سورية بعد الهستيريا التي أصابت الرئيس الأمريكي والتابعين له في لندن وباريس وعملائهم في المنطقة، إثر انتصارات الجيش العربي السوري في الغوطة الشرقية، وكنسه الإرهابيين من بلداتها وتنظيفها من رجسهم وشرورهم، ما شكّل صدمة كبيرة لمشغليهم أفقدتهم التوازن، وخربطت حساباتهم، وأفشلت دور أهم قاعدة لهم لتنفيذ مخططاتهم في إسقاط قلعة الصمود العربي، وتنفيذ المشروع الصهيوأمريكي في تقسيمها، وتحويلها إلى دويلات هزيلة تابعة لمملكات الرمال ومشيخاتها.
ومن السخرية بمكان أن مجرمي الحرب الامبرياليين يتشدقون بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في وقت يواصلون تهجمهم العدواني الوحشي على الشعوب لتركيعها والخضوع لإرادتهم في كل مناطق العالم التي لا تخضع لسيطرتهم في خرق فاضح للمواثيق الدولية وفي تحد للمجتمع الدولي وأعرافه وفي استباحة سافرة لدماء الشعوب.
وهل يمكن أن تغيب عن ذاكرة الشعوب جرائم الجزارين الأمريكيين الذي يدعون زوراً وبهتاناً تجريم استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وهم أول مرتكبيها عندما قصفت طائراتهم مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين بالقنال النووية، فذهب ضحيتها مئات الألوف من المواطنين الأبرياء والمشوهين الذين مازال الكثير من أحفادهم يحملون العاهات والصدمات النفسية العميقة، ولم تتوقف آلة القتل الامبريالية التي زهقت أرواح ما يزيد عن خمسين ألفاً في نيكاراغوا وخمسة وسبعين ألفاً في السلفادور ومئات الآلاف في العراق.
أوليست طائرات العم سام أول من قصف مدن وقرى فيتنام بالأسلحة الكيماوية التي ذهب ضحيتها أكثر من أربعمئة ألف قتيل وخمسمئة ألف مشوه لا لشيء، إلا لإخضاع شعبها لإرادة مجرمي العصر الحديث، وكم من ضحايا مازالت أرقامها تزداد على يد عصابات القاعدة في أفغانستان والتي صنعتها من وهابيي السعودية وبتمويل منها وحماية من قوات الغزو الأمريكي، وأطلق عليها الرئيس الأمريكي ريغان “مقاتلون من أجل الحرية”، وكم من الضحايا زهقت في بنما والبيرو وغيرها من دول العالم لمجرد رفضها الخضوع لإرادة همجيي العصر صانعي الإرهاب المتوحش في العالم، ولن تمحى من سجلهم الأسود الجرائم البشعة التي ارتكبوها في العراق، وذهب ضحيتها أكثر من مليون ونصف مليون مواطن عراقي، وأكثر منهم من الجرحى والمعوقين وملايين المشردين بعد تسويق الأكاذيب المعروفة إياها، ونحن لا يمكن أن ننسى كولن بول وزير خارجية السفاح بوش الابن، وهو يلوح في جلسة لمجلس الأمن حينها، بوثائق أسلحة الدمار الشامل التي زعم أن العراق كان يمتلكها ليكتشف العالم الخديعة الكبرى لسفاحي القرن الواحد والعشرين، وما ارتكبوه من جرائم بحق شعب يحتضن حضارة تاريخ طويل، دمرتها أحقاد صهيوأمريكية امبريالية بإلقاء اليورانيوم المنضب بكميات كبيرة، وبأكثر من ثلاثة عشر ألف قنبلة عنقودية تحمل ما يزيد عن مليوني شظية قاتلة.
ماذا يمكن أن يعوض شعبنا في العراق عن مذبحة بداية هذا القرن التي ارتكبت بحقهم؟ تكفي – للدلالة فقط – ومما لا يمكن محوه من ذاكرة الشعوب، صورة الحذاء القذر الذي قذفه مواطن عراقي في وجه بوش الابن الذي ارتكس وهو يلقي خطابه على مجموعة من المنسلخين عن شعبهم ووطنهم في إحدى قاعات بغداد التي أحيطت بمئات العسكريين والأمنيين المرافقين لجزار القرن الواحد والعشرين ليعود إلى واشنطن مكللاً بالشماتة والعار، هو ومحافظوه الجدد أعداء الشعوب والحياة الإنسانية. وجاء الملحق بذيل أمريكا رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ليعتذر عن تورطه بحربه القذرة بعد أن انزاح عن رئاسة حكومة أقدم دولة استعمارية تختنق بدماء مئات الآلاف من الضحايا الأبرياء على امتداد حروبها القذرة، والتي استمرت متواصلة من خلال صور التعذيب الهمجية بحق جنود الجيش العراقي الذي وقعوا في قبضة قواته المتوحشة، وخاصة في مدينة البصرة العراقية ليكتمل مشهد المأساة الإنسانية التي صنعتها زعيمة الامبريالية العالمية بتدمير العراق وتشريد شعبه في مختلف الأصقاع. لقد تناست تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية انكشاف الخديعة الكبرى في العراق، والتحقت بعصابة ترامب بعد أن سبقها ماكرون الرئيس الفرنسي خليفة هولاند وساركوزي السفاحين، فشنوا عدوانهم الثلاثي السافر على سورية قبل أن تشرع بعثة منظمة الأسلحة الكيماوية في الكشف عن ملابسات الحادثة الذي ثبت أخيراً – وبالأدلة القاطعة – مشاركة المخابرات البريطانية في الإعداد لتنفيذها من خلال سيناريوهات منظمة “الخوذ البيضاء” العاملة مع الإرهابيين في سورية.
لقد شكل قرار التصدي للعدوان الثلاثي وإفشال أهدافه وإلحاق الهزيمة بطائراته وتدمير صواريخه المجنحة صفعة أليمة لترامب وماي وماكرون وعملائهم في المنطقة، فسارعوا في محاولة يائسة لتنفيذ مخطط جديد بإقامة كيان في جنوب سورية، وحشد قوات سعودية وأردنية وقطرية لمساندته، وحث مصر لدعم هذه القوات التي أسموها عربية لتحل محل القوات الأمريكية التي أعلن ترامب نيته سحبها، ولتشكل داعماً رئيسياً للعصابات الإرهابية المتمركزة في الجنوب السوري بإسناد من إسرائيل والأردن، وهكذا جعل حكام هذه الدول المرتهنة من أنفسهم شركاء لإسرائيل في العدوان على سورية، وكبداية لهذا المخطط الإجرامي، تم إنشاء ممر بين إسرائيل والأردن لنقل السلاح الثقيل إلى المسلحين في محاولة لتقسيم سورية العربية وتجسيد حلم الصهاينة والخونة من عربان لا علاقة لهم بالعروبة من قريب أو بعيد.
وفي وقت تداعت جماهير حاشدة في عدة بلدان عربية وأمريكية لاتينية وأوروبية تستنكر العدوان الثلاثي الهمجي على سورية، وانتفضت القوى والأحزاب الوطنية والقومية في الأردن منددة بالعدوان الغادر ومطالبة بوقف سياسات أزلام واشنطن في عمان الذين يواصلون الاستغراق في دعم الإرهاب، والذين بنوا مستودعات الأسلحة الهائلة التي نقلت عن طريق الأردن إلى إرهابيي الغوطة الشرقية، حجم الجريمة ليتبين زيف ادعاءاتهم بالحرص على الحل السياسي في سورية، في وقت لم يبدوا أي تردد في التوقيع على البيان الصادر عن ما يسمى “القمة العربية” والذي يتهم سورية باستعمال الأسلحة الكيماوية، وهم يعرفون تماماً أنها فبركة أجهزة استخباراتهم واستخبارات دول أخرى شريكة في سفك الدم السوري، وهو ما يؤكد مواصلة السلطة الحاكمة في عمان دورها الذي رسم لها ولأسلافها منذ زمن طويل.
شكلت ردود الفعل الغاضبة والسخط الشعبي الذي عم مختلف الأوساط الشعبية في الأردن تنديداً بالعمل الهمجي الجبان الذي قام به محور الشر المعادي لسورية، واستنكاراً لمواقف وكلاء واشنطن ودورهم القذر، صدمة لمجاميع الإخوان المسلمين وتفريخاتهم في عمان، فراحوا يلطمون لنتائج عدوان كانوا يعولون عليه في تحقيق أحلامهم بتدمير سورية ووقف انتصارات جيشها العظيم، خاصة أنهم أعدوا العدة لإقامة الأعراس والاحتفالات بانتظار سقوط قلعة العروبة التي شكل صمودها وانتصارها في أكبر حرب كونية علامة فارقة تاريخية في حماية الأمة العربية من كارثة وجودية كان الإخوان الشياطين وتفريخاتهم الإرهابية الوهابية الأداة التي كان يعول عليها أبناء صهيون واليمينيون الجدد الذي يتسيدون واشنطن، ويصنعون قرارها بهدف إخضاع الشعوب الرافضة لسياساتهم وأطماعهم وفرض إرادتهم عليها.
شعب صامد وجيش باسل سيدق أحلام التحالف الصهيوأمريكي الرجعي في صدور قادته ووكلائه، بحيث لن يبقى لهم إلا جر ذيول الهزيمة، أما الدويلة التي يتوهمون إمكانية إقامتها في جنوب سورية فلن تكون إلا وهماً في خيالاتهم العفنة، فأسطورة مقاومة هذا الشعب وجيشه وقيادته تتجسد وتتكامل لتكون الأيقونة التاريخية التي تتوارثها أجيال أمتنا العربية، أما أولئك الذي يتربعون على كراسي الحكم في الأردن، فسوف تظهر تبعات مواقفهم بعد تحول الأردن إلى إمارة وهابية نبهنا من الترويج لها، وأخذنا نعاين ملامح وجودها في ما نراه من توسع في سيطرة دعاة الوهابية التكفيرية وتفريخات الإخوان المسلمين في المدارس والجامعات والمعاهد الدينية المنتشرة في مختلف أرجاء البلاد، مدفوعة بتمويلات كبيرة من مملكة آل سعود وعربان الخليج، وبدعم من حكومة الارتزاق ودورها في تهميش المواطنين الشرفاء من حاضني الفكر التقدمي والقومي في مؤسسات الدولة، والتضييق عليهم، وقمع أي تحرك يتعارض مع تعاليم حلفائهم وارثي إرشادات حسن البنا والقرضاوي عميد آل ثاني في المشيخة القطرية، وحرص ممثليهم في الأردن على تعميق تحالفهم مع أركان النظام الذي عبد ساحات الوطن لأنشطتهم المعادية لقضايا الأمة العربية ورموزها القومية، وذلك كله برضا ومباركة حكومة مأجورة ليس من أولوياتها سوى النهب والغرف من أموال الشعب المنكوب الذي يخشى الكارثة، ويتخوف من تحقيق أهداف الصهاينة والامبرياليين بإضافة خارطة جديدة في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي لن يكتب له النجاح طالما هناك جيش سوري عظيم يحقق الانتصارات وشعب صامد وقيادة رائدة هزمت المشروع الامبريالي الذي يستهدف سورية، ودحرت مخططاته ومخططات حليفه الكيان الصهيوني.
وعلى هذا الأساس، جاءت المناورات الأردنية الأمريكية في الأسبوع الماضي بالتدريب على مواجهة الأسلحة الكيميائية على مشارف مدينة الزرقاء الأردنية – حاضنة أحفاد الزرقاوي وأكبر تجمع للإخوان المسلمين – لفتح الطريق أمام الدور الأردني المنتظر، ومحاكاة للعمليات يواكبها التحشيد السياسي والإعلامي وسط حالة من الخوف والهلع إزاء فشل المشروع الإرهابي واحتمالات ارتداداته على حاضنيه ومشغليه، ليأخذ التنسيق الأردني السعودي الإسرائيلي أبعاداً جديدة يحظى من خلالها برعاية أمريكية بريطانية فرنسية مباشرة ومكثفة، ويعول عليه فيها لتعويض خسائرهم وخسائر أدواتهم التي لن يفيد في تعويضها اختلاق الذرائع والأكاذيب المفبركة، فما عجزوا عنه في الإرهاب وقصف الصواريخ المجنحة التي دمرت قبل وصولها إلى أهدافها لن يحققوه بالتهديدات الفارغة التي لم تعد تخيف أحداً، فإرادة الحياة والصمود الأسطوري لشعب سورية وجيشها العظيم وقيادتها التاريخية ستحيل كل أهدافهم وطموحاتهم إلى عدم التاريخ.