أهالي الغوطة وبلدة حربنفسه يروون قصص معاناتهم جراء الإرهاب ويستعدون لمرحلة إعادة الإعمار
بعد ساعات على إعلان الجيش العربي السوري ريفي حماة الجنوبي وحمص الشمالي خاليين من الإرهاب بدأت مظاهر الحياة تعود إلى أهالي بلدة حربنفسه التي نسج لها من اسمها رجال الجيش العربي السوري ثوب انتصار مكللاً بالغار، وضعه أبناؤها أوسمة على صدورهم التي اشتاقت لحياة حرة كريمة في كنف الدولة، وفي ظل مشاعر العزة والفخر بانتصارات الجيش العربي السوري على الإرهاب.
وحدات قوى الأمن الداخلي التي انتشرت في قرى وبلدات الريفين المتجاورين، بعثت الطمأنينة من جديد بعد سنوات من حصار التنظيمات الإرهابية للأهالي والبطش بهم، وهم اليوم يشرق في نفوسهم الأمل، وترتفع هاماتهم عزة وكرامة برؤية علم الجمهورية العربية السورية علم وطنهم الغالي يرفرف في سماء العزة والكبرياء.
الأهالي الذين عانوا الويلات من الإرهابيين، كانوا يخبئون في صدورهم وقلوبهم الفرح العارم بانتصارات حماة الديار ودحر الإرهاب عن أرض الوطن، وها هم اليوم يجاهرون، ويرفعون الصوت عالياً مستقبلين رجال الجيش العربي السوري ووحدات قوى الأمن الداخلي، ويعبرون عن حبهم وتقديرهم وافتخارهم بهم وقلوبهم ثابتة غير خائفين على أبنائهم من بطش الإرهابيين الذين لم يتركوا وسيلة إلا استخدموها للتنكيل بالمدنيين وسرقة أملاكهم ومحاصيلهم.
56 قرية وبلدة في ريفي حمص وحماة، أعلنها الجيش العربي السوري خالية من الإرهاب ومنها بلدة حربنفسه، وهي مركز الناحية تنفض عن كاهلها غبار سنوات من العدوان والاعتداءات والإجرام الذي مارسه الإرهابيون على أبنائها الذين يتطلعون إلى مستقبل أفضل، وكلهم أمل وثقة بالجيش العربي السوري الذي يكمل واجبه الوطني حتى تطهير كامل تراب الوطن من رجس الإرهاب.
ويكفي أن تمنح دقائق قليلة من الوقت لـ “أبو عمر” من أهالي بلدة حربنفسه ليروي، ويوضح حجم الألم الذي عاشه مع أسرته في ظل التنظيمات الإرهابية، وهو رغم كل الدمار الذي طال منزله ومعظم البنى التحتية يصر على العودة برفقة أسرته في أقرب فرصة إلى منزله بعد الانتهاء من تجهيز غرفة في منزله لمتابعة حياته الطبيعية، والبدء مجدداً في إعادة إعمار ما خربه الإرهابيون، حيث يقول في تصريح لمراسل سانا: لم يكتفوا بتدمير منزلي، بل نهبوا دكاني الذي كان يوفر لي دخلاً متواضعاً لتأمين قوت أسرتي فضلاً عن سرقة الإرهابيين لرؤوس الأبقار والأغنام التي كنت أملكها.
ويؤكد أبو عمر أن أفعال الإرهابيين الشنيعة التي مارسوها عليهم قبل اندحارهم من البلدة لن تسلبه إرادة الحياة، بل ستمنحه عزيمة أقوى وإرادة أصلب على المضي قدماً في مسيرة العمل والإنتاج، وتعويض الخسائر التي مني بها نتيجة إجرامهم، موضحاً أن إرهابيي ما يسمى “أحرار الشام” و”أهل السنة والجماعة” استباحوا كل شيء في البلدة بحجج وذرائع واهية ليحققوا أكبر منفعة مادية ومعنوية لهم على حساب أبناء بلدهم الذين أجبروهم بقوة السلاح على الرضوخ لرغباتهم وتنفيذ أوامرهم تحت التهديد بالقتل أو السجن.
أبو صالح الرجل السبعيني من أهالي حربنفسه الذي كان مهجّراً إلى مدينة حماة طوال الفترة الماضية هرباً من اعتداءات الإرهابيين، تعلو محياه البهجة والسرور بعودته إلى منزله وبلدته، وهو في الوقت ذاته يشعر بالحزن والألم لرؤية آثار الإجرام التكفيري من خراب ودمار واسع في البلدة، ويؤكد أن الأمل موجود، وبزغ كأشعة شمس الصباح، فمؤسسات الدولة الخدمية والإدارية انطلقت منذ الساعات الأولى لإعلان المنطقة خالية من الإرهابيين في عملية الإعمار، وتأهيل المرافق الخدمية تمهيداً لعودة الأهالي الذين هجرهم الإرهاب بأسرع وقت ممكن .
ومن اللحظات التي لن ينساها أبو صالح كما يقول مشهد رفع راية الوطن على مبنى البلدية.. فهو لحظة تاريخية مفصلية عادت خلالها البلدة إلى مسارها الوطني الطبيعي، ولا سيما أن لمبنى البلدية رمزيته التاريخية والأثرية، حيث يعد الأقدم على مستوى المنطقة، وهو واحد من ضمن 4 مبان مماثلة فقط على مستوى سورية تعود لأربعينيات القرن الماضي.
تامر العويشه، رئيس بلدية حربنفسه، يترحم على رئيس المجلس البلدي السابق الشهيد رياض الشامل الذي اغتالته المجموعات الإرهابية، لأنه لم يخرج من جلده وعلى أبناء وطنه، مبيناً أن أهالي حربنفسه عازمون على العودة إلى بلدتهم في أسرع فرصة بعد طرد الإرهابيين منها.
ويعبّر عويشه عن أمله في تسارع أعمال الصيانة والإصلاح للبنى التحتية في حربنفسه التي تعرضت أكثر من باقي البلدات والقرى المجاورة مثل طلف وجرجيسه وعقرب لدمار وتخريب واسع من قبل الإرهابيين الذين تمترسوا وتحصنوا وسط الأهالي والمدنيين واتخذوهم دروعاً بشرية.
يذكر أن ناحية حربنفسه تتبع لها 23 قرية ومركزها بلدة حربنفسه، وكان عدد سكانها نحو 7 آلاف نسمة، وتشتهر بإنتاج المحاصيل الزراعية، وعلى رأسها القمح والشعير والحمص وتربية المواشي.
وأعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة أمس إعادة الأمن والاستقرار إلى 65 مدينة وبلدة وقرية بمساحة 1200 كم مربع بعد إرغام التنظيمات الإرهابية على تسليم أسلحتها الثقيلة والمتوسطة والخروج من ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي.
وفي الغوطة الشرقية بريف دمشق بدأت عشرات العائلات المقيمة في مركز الحرجلة من أهالي سقبا وحمورية ومسرابا العودة إلى منازلها في عملية مفتوحة لباقي العائلات الراغبة بالعودة إلى بلدات الغوطة التي شهدت عودة سريعة للخدمات بعد إخلائها من الإرهابيين في الرابع عشر من نيسان الماضي.
وعلى الطريق ما بين مسكنها المؤقت السابق ومدخل المركز، حيث سبقها زوجها إلى الحافلة التي ستقلهم تقول الأم لأربعة أطفال لمراسلة سانا، وهي تحث الخطى: انتظرنا بفرح نهاراً كاملاً عندما علمنا بأننا سنعود إلى سقبا.. سنرجع ونستقر في بيتنا، ونبدأ حياة جديدة.
وانضمت رشا إلى زوجها وبقية أطفالها، حيث توقفت عدة حافلات وسط تجمع عائلات في مدخل مركز الإقامة يقول الزوج وإلى جانبه أكياس مليئة بأغراضهم ومساعدات من مواد غذائية وزعت على المغادرين: اشتقت لسقبا وأهلي وبساتين الغوطة، خاصة أنها أيام المشمش.
الأب الذي خانته الكلمات تابع: من شدة فرحي لا أعرف ماذا أقول، مبيناً أنه عقد العزم على العودة إلى مصلحته بخاخ موبيليا، سنتدبر أمورنا، ونرجع نحيي شهرة سقبا بصناعة المفروشات.
محمد نور قريب العائلة الذي ينتظر دوره بالعودة يقول: طلعنا سوا من الغوطة وراجعين قبلي، ويضيف محمد الذي ينتظر مولوده الأول: متلهف للعودة إلى منزلي ولمة الأهل، ونرجع نشتغل مثل أيام زمان بالنجارة.
وخرج الأهالي من الغوطة الشرقية على شكل موجات هرباً من الإرهابيين بعد أن فتح الجيش العربي السوري خلال معركته في آذار الماضي لفك الحصار عنهم 4 ممرات آمنة في جسرين وحمورية ومخيم الوافدين وحرستا، ما سهل وصول أكثر من 143 ألف شخص بأمان، ونقلهم إلى مراكز الإقامة المؤقتة.
وقرب باب الحافلة، بدا محمود صادق متعباً، وهو يهم برفع كيس أبيض كبير من المواد الغذائية إلى سطح الحافلة قبل انطلاقها بوقت قصير، لكن ذلك لم يمنع الأب لستة أولاد من التحدث عن فرحته بعودة الأمان إلى ربوع الغوطة الشرقية لما أخبروني بأنه يمكنني العودة إلى منزلي بكيت من الفرحة.. نعود لبلدتنا ونستقر ونعيش بأمان، ويضيف محمود 45 سنة، حيث كان لديه محل للألبان والأجبان في سقبا، “نرجع ونبدأ شوي شوي”.
وأكثر ما يشتاق إليه يقول محمود: “بيتي وأقربائي وجيراني والسيران بالغوطة من سبع سنين كنا فيها وما كنا نقدر نشم الهوا بسبب الإرهابيين”. بينما زوجته وفاء القصيد أخذت مكانها في الحافلة مبادرة بالحديث “ابني الكبير التحق بالجيش ويخدم العلم”، وتضيف وقد التم حولها أطفالها وزوجها قبل أخذ صورة جماعية: إنها عندما تصل سقبا ستجول في شوارع البلدة، وتتأكد بنفسها أنه رجع الأمان إليها كما كانت قبل أن يدخلها الإرهابيون.
وتضيف الممرضة السابقة في مشفى دوما مع ابتسامة عريضة: “لدينا عمل كثير لنعيد بناء حياتنا من جديد، ولحسن الحظ أنني أحب الحركة”. وتتقدم رشا مع عائلتها باتجاه الحافلة مع نصف التفاتة رافعين أيديهم ملوحين بالسلام وابتسامة تعلو وجوههم متيقنين بغد أفضل سيصنعونه في ربوع الغوطة الآمنة.