ما قصة عقد تأهيل معمل غاز عدرا.. وكيف ضربت المواربة والتكتم أطنابها في تعطيل تنفيذ المشروع..؟!
عندما وقعت الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية (محروقات) العقد رقم 12/12/2016 مع مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية والهادف إلى إعادة تأهيل معمل تعبئة أسطوانات الغاز المنزلي في عدرا، كانت الخطوات والنوايا مبيتة آنذاك – ووفق بنود العقد المبرم- لإنجاز المشروع وتنفيذ الأعمال خلال 180 يوماً فقط لا غير وبقيمة إجمالية وقدرها 320 مليون ليرة، إلا أن حسابات الحقل لم تنطبق على مكاييل البيدر، فمنذ ذاك التاريخ، أي تاريخ التوقيع والمباشرة لم يسجل موقع العمل (معمل عدرا) سوى نسب خجولة جداً لا تساوي شيئاً بالقياس إلى أهمية وحيوية “التمام والكمال” كما يقال، لتبدأ قصة روتين وبيروقراطية ومماطلة من النوع المتعارف عليه في أدبيات القطاع العام، مما عطل التأهيل وأجل التطوير وقذف بالأيام المعدودات إلى الشهور والسنوات..
فما قصة العقد الذي دبج بقيمة 320 مليون ليرة.. وكيف وصل “بقدرة قادر” إلى حدود المليار ليرة، في غياهب سجلات التوقيع مع القطاع الخاص والإلغاء والتوكيل للقطاع العام “ذي الأولوية” وانتهاء بالرجوع إلى مربع الخاص الأول عبر ما يطلق عليه بالمتعهد الثانوي..؟!
خيار ولكن..!
قبل كل شيء تسجل الوقائع لشركة (محروقات) ومعها جهتها الوصائية ممثلة بوزارة النفط تحديها للظروف الأمنية التي كانت تحدق بمنطقة عدرا منذ عامين وإقدامها على المبادرة للمباشرة بهذا المشروع الهام، حيث الحاجة ماسة لمنتج الغاز المنزلي الذي وصل في أزمان الحرب إلى درجة القلة، وكان للوزارة وأذرعها الإنتاجية دور في تأمين المادة بالمتاح المحلي والمستورد، ولكن هذا الخيار لم يكن مفروشاً بالورود في ضوء التفاصيل والمعطيات التي تؤكدها الوقائع ومعها أرشيف المشروع..؟!
هنا يمكن القول إن مع “محروقات” الحق عندما سارعت إلى فسخ العقد الذي وقع مع شركة “أ” الخاصة وبادرت إلى توكيل الأمر لمؤسسة “متاع” ذات العراقة في القطاع الإنشائي والخبرة في ميدان التصدي لمشاريع بنى فوقية وتحتية عبر عقود الريادة المشهودة، حتى لو كان ثمة فروقات في النسب والأسعار، فللقطاع العام الأولوية في المشاريع الحكومية، وهذا ما يؤمن به جميع الغيارى على الدولة ووثوقيتها وجودة الإنجاز على يديها، وهنا الوجع الذي يبدو أن الشركة وقعت فيه من حيث طول المدة التي لم يحصل فيها أي تطور على الأرض في موقع المشروع، رغم القناعة التامة من قبل من ناقشنا الملف معهم بأن لخصوصية الجغرافيا والأحداث في عدرا آنذاك تأثيراً حتمياً على مجريات العمل وبالتالي التبرير الموضوعي موجود، ولكن ليس لتلك الدرجة التي يستغرق الأمر سنتين، بما فيها مدة الانتصار الذي حققه الجيش في منطقة المعمل ومحيطه الساخن، مع التنويه إلى أن “غاز عدرا” لم يخرج عن السيطرة والخدمة طوال الأزمة، ولكنه تأثر كثيراً وتضرر وتعرض لضغوط في كوادره وعماله وسوية أعماله وقدرته حتى على الإنتاج في أصعب الظروف.
تعطيل وتعقيد
في وثائق الموضوع كان “لشيطان” الملاحق حصة كبيرة في تعطيل الأمور وتعقيد التفاصيل، فالعقد الذي بدأ بـ 320 مليوناً مر بتوقيع ملحق بتاريخ 12/6/2017 وصلت قيمته إلى 263 مليون ليرة ومدة التنفيذ 200 يوم، والغاية كما ورد في وثيقة الملحق تنفيذ الأعمال غير الواردة في العقد رقم 12/12/ 2016/د تاريخ 18/1/2016 والضرورية لاستكمال مشروع إعادة تأهيل معمل غاز عدرا وفق جدول الكميات والأسعار المرفق، وتبين من ملحق العقد أنه يتضمن في بندين منه مواد بقيمة 176 مليون ليرة.
وحسب المعطيات المرتبطة فقد تم طلب 150 مليون ليرة + 100 مليون ليرة فروقات أسعار، وبحسبة رياضية بسيطة نجد أنفسنا أمام عقد تأهيل بقيمة تقارب مليار ليرة، ولم يقم متعهد الإنشاءات العسكرية الثانوي بتنفيذ حجم أعمال “يذر الرماد في العين”، حتى مع الاعتراف بحقيقة سرقة معدات وفقدان مواد في موقع المشروع كما تقول “جهة التنفيذ”..؟
برسم الوزارة..!
أمام ما سبق كان لـ “البعث” مبادرات للتواصل مع وزارة النفط للوقوف على ملابسات عقد تأهيل المعمل من خلال التوجه باستفسارات ترتبط بأربعة محاور رئيسية فحواها: لماذا لم يتم إنجاز العقد حتى الآن..؟ وكيف تفسرون عودة العقد للمتعهد الثانوي “الخاص” رغم فسخ العقد مع الشركة الخاصة بالأصل؟– كيف تفسرون وصول العقد إلى هذا الرقم؟ – كيف ساهم الروتين بخسارة الملايين ولا تحرك ميداني على الأرض..؟
وهذا ما لم تتعاون الوزارة بشأنه حيث سجلت الاتصالات المتبادلة عبر أيام وأسابيع محاولات للإقناع بالإجابة عن الأسئلة المرسلة عبر المكتب الإعلامي، إلا أن الإصرار كان واضحاً للحوار المباشر والنقاش الشخصي دون رد صحفي مسجل يؤدي إلى نشر تعقيب باسم الوزارة – كما بدا على مدير المكتب الصحفي الذي تواصلنا معه لمرات – ليكون السياق العام إشارات خجولة ومترددة على أن المشكلة بالجهة المنفذة، دون الإفصاح المباشر عن المتسبب بتعطل تنفيذ العقد حتى الآن.
مواربة أم ماذا..؟
قد تكون الوزارة معذورة لجهة المسؤولية والمحاسبة، ولكن ليس ثمة عذر في التحفظ وقلة الشفافية في الرد وإخلاء المسؤولية التي لا يمكن الإقرار بها هي وشركة (محروقات) أصحاب الملكية فيها، وبالتالي من حقها تحديد نصاب الأمور وتوضيح الغموض ومعرفة العوائق وتسمية القضايا بمسمياتها، لا أن تظهر المسائل على أن ثمة تعتيماً أو عدم مواجهة، أو مواربة بحسن نوايا أو بدونها.. وكلها عناوين وحيثيات لا تمنع المواطن العادي قبل المسؤول من السؤال ورسم علامات استفهام وإشارات تعجب على التكتم والصمت المريب لمشروع كلف مليار ليرة بقصد تأهيل معمل غاز عدرا الذي لم يتم منذ سنوات ومازال مجمداً حتى الساعة؟!
علي بلال قاسم