رغم ضعف الإيرادات.. تحسين الأوضاع المعيشية متوّجاً على منصة الانفراجات المنتظرة!
حورية: نقترح تعديل التعويض العائلي من مبالغ ثابتة إلى نسب من الراتب المقطوع: 15% لزوجة واحدة– 10% للولد الأول– 8% للولد الثاني– 5٪ للولد الثالث والرابع
“صعوبة زيادة الرواتب في الوقت الحالي، والأسباب تعود للإيرادات التي لم ترتفع للدرجة التي تسمح بزيادة يشعر بها المواطن”، هذا الحديث وضعه الناس في خانة نعوة زيادة الرواتب، وإسدال الستارة على هذا الملف بعد أن علّقت عليه أوسمة الأزمة بكل جدارة، وسجلته في سجل النسيان والتأجيل، فعلى ما يبدو لم ولن تكتب الحياة لهذا الملف الهام والضروري رغم الضغط الشعبي، والمطالبات المستمرة بإعادة النظر به، خاصة أن معظم الدراسات المهتمة بالوضع المعيشي للأسرة السورية أكدت أن متوسط احتياجات الأسرة السورية المكوّنة من خمسة أفراد يعادل أكثر من (230) ألف ليرة سورية، أي يزيد بمقدار أربعة أو خمسة أضعاف متوسط دخل الأسرة على الأقل من الرواتب والأجور، وبمقدار يزيد أكثر من سبعة أضعاف متوسط دخل الفرد الواحد البالغ حوالي (33) ألف ليرة سورية.
ورغم أن الحديث عن الرواتب والأجور بات ممجوجا، إلا أن ارتدادات وتداعيات هذا الملف على حياة الناس تمنحه فرصة الطرح والأخذ بوجهة نظر قد تعيد بصيص الأمل للواقع المعيشي، خاصة أن الفجوة بين الإنفاق والدخل من الرواتب والأجور أدت إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية، الأمر الذي يشكّل تحدياً جوهرياً أمام الحكومة في عملية الإصلاح الاجتماعي الذي ستكون تكلفته أعلى بأضعاف مضاعفة أمام تكلفة الإصلاح الاقتصادي المطلوب في يومنا هذا!.
كلام واضح
لتفادي التكرار، ومعرفتنا بأن الاتحاد العام لنقابات العمال أعد مذكرة جديدة بخصوص الواقع المعيشي، والرواتب والأجور تحديداً، تواصلنا مع عمر حورية، أمين الشؤون الاقتصادية في الاتحاد العام لنقابات العمال الذي استجاب مباشرة، وبيّن أن الوضع الراهن في سورية أفرز انزياحاً سكانياً واقتصادياً في الخارطة السورية بسبب خسارة جزء كبير من الصناعة الاستخراجية، ومجموعة كبيرة من مصانع ومعامل الصناعات التحويلية، وفقدان السيطرة على مساحات من الأراضي الزراعية للمحاصيل الاستراتيجية، ولابد، “كما قال”، تبعاً لذلك، من دراسة المزايا التنافسية لهذا الانزياح للاستفادة من الموارد البشرية، والمادية، والطبيعية المتاحة في المناطق الآمنة بهدف استثمارها لتحسين الناتج المحلي الإجمالي، بما ينعكس على مستوى معيشة أفضل للمواطن السوري، خاصة أن سورية تبقى بلداً زراعياً بالدرجة الأولى، وتعتمد على الصناعات الزراعية ثانياً، والصناعات التحويلية ثالثاً، مع الإشارة إلى ضعف مساهمة قطاع البناء والتشييد في الناتج المحلي الإجمالي.
العلاقات الخطية
حورية أكد أنه من خلال تتبع العلاقات الخطية بين السعر ومكونات التكلفة من ناحية، وبين السعر والحصيلة الضريبية من ناحية ثانية، وبين السعر والحصيلة من الرسوم الجمركية من ناحية ثالثة، تبيّن أن الأسعار ارتفعت منذ عام 2010 وحتى الآن بما يعادل تقريباً 1200%، بينما ارتفعت الرواتب والأجور بما يعادل الضعف فقط، وارتبط ارتفاع الأسعار بزيادة أسعار المواد الأولية المستوردة نتيجة انخفاض القوة الشرائية للعملة، وارتفاع أسعار حوامل الطاقة، وارتفاع تكلفة النقل بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، ورسوم الترفيق، بينما بقيت زيادة الرواتب والأجور متواضعة جداً، والفارق زاد في أرباح المستوردين والمصنعين.
وأضاف: لقد تمت ملاحظة أن الحكومة خططت في عام 2010 لتحصيل ضريبة الأرباح الحقيقية بمعدل (19.2%) من إجمالي إيرادات موازنة العام المذكور، بينما خططت لتحصيل ما مقداره (2.4%) فقط من إجمالي إيرادات موازنة عام 2017، وكذلك خططت الحكومة لتحصيل رسوم جمركية نسبتها (3.7%) من إجمالي إيرادات موازنة عام 2010، ولتحصيل ما نسبته (2.5٪) فقط من إجمالي إيرادات موازنة عام 2017، وذلك بالرغم من التضخم الحاصل في عام 2017، بالمقارنة مع عام 2010، ويمكن أن يعزا ذلك إما إلى انخفاض كبير في الإنتاج والمبيعات، أو إلى سوء عملية التحصيل الضريبي، وفي كلتا الحالتين، والكلام لحورية، نجد نفياً للعلاقة الخطية بين التحصيل الضريبي وارتفاع الأسعار، على الرغم من عدم تعديل قانون ضريبة الدخل في سورية، وينسحب ذلك على واقع تحصيل الرسوم الجمركية، وبالتالي هذا الواقع يحتاج إلى معالجة على مستويين اثنين: الأول إسعافي، والثاني قصير ومتوسط الأجل.
لتمويل الزيادة
وطرح أمين الشؤون الاقتصادية المعالجة المطلوبة لهذا الواقع، والمصنفة في خانة الإسعافي التي تقوم على (زيادة الرواتب والأجور بالارتباط مع زيادة الإنتاجية، بحيث تتم زيادة في الرواتب والأجور بمعدل (100٪) من الراتب الشهري المقطوع، وهنا لن تتجاوز الكتلة النقدية المطلوبة لتمويل هذه الزيادة أكثر من (240) مليار ليرة سورية سنوياً بسبب ارتفاع الاستهلاك، ورفع الحد الأدنى المعفى من ضريبة الرواتب والأجور إلى (30) ألف ليرة سورية، وتعديل التعويض العائلي من مبالغ ثابتة إلى نسب من الراتب المقطوع وفق الآتي: 15% لزوجة واحدة– 10% للولد الأول– 8% للولد الثاني– 5% للولد الثالث والرابع، وتعديل التعويضات الأخرى مثل الاختصاص– المسؤولية.. وغيرها، وربطها بالراتب أو الأجر الشهري المقطوع بتاريخ أداء العمل، ويترافق ذلك مع ضبط أسعار السلع والخدمات على مستواها الحالي كونها تتضمن هوامش ربح مبالغاً بها، وذلك بالتنسيق بين كافة الجهات المعنية بذلك، وممارسة مؤسسات التدخل الإيجابي دورها الذي أحدثت من أجله، وذلك بشراء المنتجات الزراعية من المزارع مباشرة بسعر يضمن له تغطية تكاليف الإنتاج الزراعي، وتحقيق دخل مناسب للمزارع، وتسويق هذه المنتجات بهامش ربح مناسب لهذه المؤسسات، وبشكل عام تنشيط تجارة التجزئة الحكومية والتعاونية، ووضع سياسة سعرية صارمة لضبط السوق الداخلية بشكل فعال، واتخاذ قرار واضح بموضوع الترفيق، وجعله مؤسسياً ضمن مظلة الحكومة، وبرسوم (وزن/مسافة) واضحة ومقبولة، ومعالجة كافة المشاكل المتعلقة بموضوع الضمان الصحي: (تسعيرة الأطباء– تسعيرة العمليات الجراحية– تسعيرة أجور خدمات المشافي– دور شركات التأمين الصحي)، ومشكلة احتكار القلة لأسواق أهم المواد والسلع الأساسية، والغذائية، والعلفية، ومواد البناء، وتشديد الرقابة على الأسعار في الأسواق، بما في ذلك أقساط التعليم الخاص، والمعاينات، والمعالجات الطبية، والأدوية، وإعادة النظر بموضوع الحوافز الإنتاجية بهدف زيادتها، ولحظ نسبة من مبيعات شركات القطاع العام الصناعي كحوافز تسويق المنتجات توزع على العاملين في الشركات بنسبة (90%) مثلاً، وللمؤسسات التابعة لها بنسبة (10%) وفق نظام نقاط يساهم الاتحاد العام لنقابات العمال في اعتماده.
زيادة الإنتاج والتشغيل
أمين الشؤون الاقتصادية تابع حديثه الذي يكنى بكلام الواثق من نتائج تطبيق هذه المقترحات وعائديتها الكبيرة على تحسين الواقع المعيشي بشكل عام، والرواتب والأجور بشكل خاص، لافتاً إلى أن المعالجة على المستوى القصير ومتوسط الأجل تقوم على (زيادة الإنتاج والتشغيل)، وذلك من خلال إنشاء مناطق تجمع صناعات صغيرة ومتناهية الصغر (حرفية) مجهزة ببنية تحتية جيدة: (ماء– كهرباء– خدمات أخرى)، قريبة من مركز مدينة كل محافظة آمنة، ودعوة أصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر للعمل فيها لقاء أجور رمزية لمدة (3) سنوات، ويعاد النظر بها بعد ذلك، على أن تكون لهذه التجمعات أنظمة مالية وإدارية خاصة وبسيطة تشجع على مساهمتها الفاعلة في زيادة الإنتاج، ومنح القروض التشغيلية لمنشآت الصناعات الزراعية، وخاصة متناهية الصغر (بفوائد مدعومة)، ودعم أسعار الطاقة المستخدمة بالمنشآت الزراعية، والحرفية، والنقل العام، والمكنات والمعدات الزراعية، وهذا من شأنه تخفيض تكاليف النقل والإنتاج، وحصر الشواغر في الشركات والجهات العامة، والموافقة على ملئها بموجب مسابقات أو اختبارات، ورصد الاعتمادات المالية اللازمة لإنشاء صناعات الأدوات والمعدات والآليات الزراعية، ولإنشاء معمل عصائر أو أكثر في المنطقة الساحلية، وكذلك إنشاء الصناعات الغذائية بمختلف أنواعها، وبالأخص الألبان والأجبان، والتغليف والتعليب، ولإنشاء صناعات الطاقات المتجددة: (أجهزة سخان شمسي– لواقط كهروضوئية– عنفات ريحية..) كونها ستخفض بشكل جوهري من فاتورة استيراد المشتقات النفطية، وحصر تأمين احتياجات الجهات العامة والشركات العامة بمنتجات شركات ومعامل القطاع العام الإنتاجي بهدف تحقيق التكامل فيما بينها، بحيث تكون مدخلات إحدى الشركات هي من مخرجات شركة أخرى لغاية تخفيض عبء تمويل مستوردات هذا القطاع من القطع الأجنبي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى بما يسهم في تحقيق قيمة مضافة أعلى تنعكس على الناتج المحلي الإجمالي.
وأضاف حورية: كما يجب النظر إلى موضوع إصلاح القطاع العام الصناعي بجدية، وإنجاز ذلك قبل نهاية عام 2017، وإصلاح القوانين المرتبطة بعمل القطاع العام، سواء القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004، أو نظام العقود الموحد الصادر بالقانون رقم 51 لعام 2004، والإسراع في تطبيق نظام الفوترة بهدف ضبط التكاليف وربطها بالأسعار من ناحية، وبهدف زيادة الحصيلة الضريبية من ناحية أخرى، وتوجيه الجهات الرقابية للتدقيق في كفاءة الإنفاق العام: (رقابة الأداء– رقابة فعالية استخدام الليرة السورية الواحدة) في كافة الجهات العامة، وعدم الاكتفاء برقابة مشروعية النفقة، ودعم التصدير، وفرض رسوم جمركية مرتفعة على المستوردات من سلع الاستهلاك الترفي والكمالي، وتخصيص أراض للبناء في كافة المحافظات الآمنة للمؤسسة العامة للإسكان، ودعم القطاع الإنشائي للمساهمة في الحد من ارتفاع أسعار السكن والإيجار من ناحية، ومن ناحية أخرى تأمين فرص عمل جديدة، وتنشيط حوالي (70) مهنة مرتبطة بهذا القطاع، ودراسة موضوع شركات التطوير العقاري لتكون شركات مساهمة عامة حصراً، ومشاركة القطاع الخاص والمشترك في عملية إعادة إعمار المناطق المدمرة التي خرج منها المسلحون، من خلال تعديل ضابطة البناء، والمخططات التنظيمية بهدف منح حيز إضافي من البناء للشركات التي ستقوم بذلك لقاء إعمار المساكن، والمدارس، والمستوصفات، والحدائق مقابل هذا الحيز الإضافي، والتأكيد على تفعيل التعاملات المصرفية في كافة المقبوضات والمدفوعات الخاصة بالأفراد أو المؤسسات، والعمل أيضاً على تطبيق مشروع “الذمة المالية” للموظف العام.
واقع التنفيذ
وعن مدى إمكانية تطبيق المقترحات التي تتضمنها الدراسة، وكيفية تأمين التمويل اللازم لها، قدم لنا حورية جملة من الحلول والسبل لتنفيذ المقترحات على المستويين الإسعافي، وقصير ومتوسط الأمد، حيث رأى بأنه يمكن تأمين التمويل اللازم من خلال الإصدار النقدي، والتمويل بالعجز، وإصدار سندات دين عام لاقتراض مبلغ (مليار دولار) مثلاً، بمعدل فائدة مشجع (4%- 5%) سنوياً، وإصدار سندات دين عام لاقتراض مبلغ (ألف مليار ليرة سورية) مثلاً، بمعدل فائدة مشجع (12%- 15%)، ويمكن أن يقسم على شرائح زمنية (5– 10– 15– 20 سنة)، ومعالجة التراكم الضريبي لدى وزارة المالية، وتسوية مخالفات البناء الحديثة والقديمة (القابلة فنياً للتسوية)، وبالأخص تلك التي انتشرت خلال سنوات الأزمة على نطاق واسع، وخاصة في مدن ومناطق الساحل، وحصر أملاك الدولة، والأملاك العامة، وخاصة أملاك وزارة الأوقاف، وإعادة النظر في آليات استثمارها أو المشاركة بها كونها تحقق عوائد مالية ضخمة جداً.
حقيقة الأمر
حديثنا مع أمين الشؤون الاقتصادية اكتنز بالكثير من الحلول، وكان بمجمله جامعاً لكل ما قيل وطرح في مسارات العلاج، والإصلاح، ويرضي كل من يسمعه، ويجدد الأمل به، ولكنه في الوقت ذاته لم يبدد المخاوف، ولن يشبع أو يروي ظمأ الجيوب العطشى التي باتت تحت خط الفقر، فالمنظومة الحالية للأجور أصبحت متقادمة، ومعقدة، وغير متجانسة، واستمرارها من شأنه أن يؤدي إلى استمرار الاختلالات، ولذلك لابد من قرار جريء يدعم المنظومة الأجرية، ويجعلها محفزة ومنصفة وشفافة بدلاً من المزيد من القرارات الخانقة التي تزيد من أعباء الناس، وتوسع الفجوة بين الأجور والأسعار، فيسقط المستوى المعيشي اللائق للسواد الأعظم من الشارع السوري في ظلمة الفقر المدقع!.
بشير فرزان