ثقافةصحيفة البعث

“مجامر الروث”.. انتصار الحب على الحرب

 

اثر العديد من القصص القصيرة والروايات منها (أواخر الأيام, السوسن البري, أحلام الذئاب, في قبو الدير, الحب في زمن التحولات) عن دار الينابيع بدمشق, صدرت رواية مجامر الروث للروائي عبد الغني ملوك, هذه الرواية التي تعتبر, ملحمة روائية تؤرخ لمرحلة زمنية دراماتيكية, مرت بها كل من سورية والعراق ولبنان. في هذه الرواية المتميزة سنجد أنفسنا أمام عمل روائي جدير بالقراءة والاهتمام. مجامر الروث, لا تقدم مفاتيح فتنتها كعمل روائي جميل عصي على كشف خصوصيته, إذ علينا كقراء أن نغوص كثيرا في البعد الآخر للرواية, من حيث البنية الروائية, ومن حيث المتن واللغة التي بنيت على اشتغالات, فيها من التكنيك والتقانة, والقبض على جمر اللغة من حيث أنها الحامل الأساسي لأي عمل إبداعي.

بطل الرواية ياسر الخوخة ابن احد كبار التجار ينتمي للطبقة البرجوازية, يساري حتى النخاع, يعاني من تناقض بين طفولته ونشأته ومن ثم آلية تفكيره, قريبه يونس الخوخة سعى لضمه إلى الحزب اليساري, يتعرف على سارين الأرجواني في الجامعة فتنشأ بينهما قصة حب لا تنسى, “إنني أحبك يا سارين, كما أحب الشجر والعصافير وحقول الأقحوان, وروابي البنفسج. أنت ياسارين أصبحت بالنسبة لي روحا إضافية تمدني بالقدرة والإبداع” ص20, تكللت قصة حبهما بالزواج, وأمضيا شهر العسل في فينيسيا,وأنجبا أطفالا, لكن, القدر يتدخل, حين ينقسم الحزب إلى قسمين, ويلجأ إليه زميله مزيد الخشن، من مطاردة الجهات الأمنية له, حين يتبادل معهم إطلاق النار, يطرق باب رفيقه (ياسر) مما يضطرهما للهرب عبر سطوح المنازل, ومن ثم يفرا إلى لبنان, وهناك تبدأ أحداث جديدة في الفعل الروائي, على المستوى الشخصي لشخصيات الرواية, وعلى المستوى الدرامي لتفعيل الحدث الروائي, وهنا سنقف عند الاشتغالات الروائية, وسنجد ميزة وخصوصية عند الروائي عبد الغني ملوك من ناحية أسماء شخصيات رواياته, حيث الاسم لديه عدة دلالات ورموز, وهو فعل دال على ماهية الشخصية وانفعالاتها, وهي ميزة تضاف لخصوصية الروائي.

في لبنان نتعرف على شخصيات جديدة مثل: (جواد شبروم الناصري، وجورجيت)  المفجوعة بزوجها وابنها  في الحرب الأهلية اللبنانية, تتكون علاقة حميمية بين جورجيت وياسر, وينشأ ديالوج يعري العقل الباطن لجورجيت التي تشرب الخمر كمهدىء لجرح قديم لم يتوقف نزفه بعد, فقد وجدت فيه صورة ابنها الشهيد في الحرب الأهلية اللبنانية وياسر الحزين لفراق زوجته وأطفاله, فراقا قسريا.

تقول جورجيت لياسر: “اعتذر عما بدر مني في الليلة الماضية, إنه لم يكن بفعل الخمرة فحسب, بل وبدافع داخلي عنيف أوحى لي بما أوحى, فاعتقدت بأن طوني قد بعث حيا, ليلبس منامته وينام في سريره, وتجلى فيك أنت الذي تشبهه لحد المطابقة”. ص 131

تتوالى أحداث الرواية, حيث نجد إن التحالف الذي بدأ بغزو العراق واجتياحه، مما يدفع بياسر للذهاب إلى العراق للقتال ضد الغزاة, عندما يصل للتصالح مع الذات بين الإيمان بالله وبين الفكر الشيوعي, وللبحث عن ولديه, ويحاول الإفادة من إنشاء قناة تلفزيونية هناك, تنقل الأحداث من العراق.

من المنطقة الخضراء في بغداد: “وافق أنطون شركس, متخذا قراره بفتح مركز إرسال قي المنطقة الخضراء, وزود جويل, بمبالغ ضخمة, وجعلها رئيسة البعثة, ومعاونها ياسر الخوخة, مع سيارتين ومصور, ومشغل محطة إضافة إلى أبي أرز الذي سيقود إحدى السيارات, ليكلف بمهام أخرى لاحقا، وتوجهوا من لبنان إلى سورية للبحث عن أدلاء, والوصول إلى المنطقة الخضراء. لقد كانت المهمة خطيرة جدا, ولم يحسباها كما يجب, فما المفاجآت التي سيتعرضون لها؟”. ص 276.

تأتي رواية مجامر الروث للروائي عبد الغني ملوك الصادرة عن دار الينابيع بدمشق ضمن ثلاثية روائية لكنها تقرأ كرواية مستقلة, ولولا تنويه الروائي عن ذلك لما اكتشفنا أنها ضمن ثلاثية روائية, ولظننا أنها رواية كانت نهايتها مفتوحة, مثلما يحدث مع بعض الروايات، وهي من عنوانها العصي على كشف محتواها, رواية سورية متميزة تكرس مقولة أن الرواية السورية باتت تكرس حضورها وتألقها ونجاحها عربيا, وأنها تحقق ألقها عالميا عبر الترجمات من العربية إلى الأجنبية.  رواية جديرة بقراءات أكبر، لما تتمتع به من ذائقة حساسية روائية متميزة.

أحمد عساف