“روزانا” السيف اللامع في الموسم الدرامي 2018
انقضى الثلث الأول من الموسم الدرامي الرمضاني، وبدأت الأعمال الدرامية التي تستحق المتابعة نزولا عند رأي الجمهور الحكم والفيصل، بالإعلان عن نفسها بقوة، سواء من خلال آراء الجمهور ونسبة متابعته العالية لهذا العمل أو ذاك، أو فيما ذهب العديد من النقاد لقول رأيهم فيه، وبالرغم من النظرة السوداوية عموما لحصاد هذا الموسم، والذي لم يجد فيه معظم النقاد ولو بذرة أمل واحدة، يمكن التعويل عليها، إلا أن مسلسل “روزنا “جورج عربجي- عارف الطويل- يقفز خطوة إلى الأمام، بتقديمه لقصة درامية عائلية، كانت الشاشة المحلية قد فقدتها منذ زمن، فالحكاية تدور حول عائلة ثرية حلبية، اضطرتها الحرب للنزوح صوب العاصمة، صفر اليدين، مع ابن مريض وفي مرحلة كومة بعد إصابته بطلق ناري من الإرهابيين، حالة طبية حرجة، تحتاج الكثير من المصاريف التي باتوا لا يمتلكونها ليبقى على قيد الحياة، يبقى أمل العائلة بعد أن تحررت حلب بالعودة إلى بيتهم الواقع في قلب حلب القديمة، المنطقة التي تهدمت عن بكرة أبيها، والبيت الذي يشكل وعي ووجدان رب الأسرة –أدى دوره القدير بسام كوسا- وكل عوالمه التي مرّ بها منذ ولادته حتى بلوغه من العمر عتيا، البيت نفسه الذي يعني لزوجته –أدت دورها بحرفية الفنانة سلوى جميل- بعض من المال الذي يستطيع أن يأويهم بكرامتهم مع استكمال لعلاج ابنها، تلك الكرامة التي تبدأ بالانهيار في كل حلقة، تحت ضغط مجتمع العاصمة وعلاقاته المعقدة، المجتمع الذي دائما ما يجد في مجتمعات المدن المنافسة له صناعيا بشكل خاص، عبئا ثقيلا على وجوده وقوته، وبالتالي ستكون العاصمة قاسية على أبناء حلب الذين لاذوا بها من الموت، -وهذه من اللفتات الذكية في العمل-، قاسية بغلاء أسعارها واستفحال أصحاب النفوذ فيها حتى طبيعة الحياة التي تحياها تلك الأسرة المنكوبة، وهنا لا بد من الإشادة بالدور الذي تشخصه الفنانة “جيانا عيد”، في لعبها لشخصية مغايرة تماما لمختلف شخصياتها السابقة، فهنا هي المرأة المتسلطة، القوية، من تريد إخضاع الجميع من حولها تحت جبروتها، وضغط حاجتهم للعمل في بعض المؤسسات المملوكة لها، وسيبدأ اللقاء بين السيدة الدمشقية والأخرى الحلبية، بمنافسة أخلاقية ذات حدين، منافسة محكومة سلفا بشر ظنون الشخصية ذات النوايا السيئة، لتبدأ الحبكة بالتصاعد تدريجيا لدى هذه الأسرة، المكونة من أب وأم وابنتان وابن، والعالم المحيط بهم بما فيه من شخوص وحكايات جانبية داعمة وليست مصادرة للثيمة الأساس.
ميزة العمل أنه لا يذهب لطرح عنف الحرب ودمويتها مباشرة، ودون أي استخدام للأماكن التي تهدّمت من باب الإبهار البصري بالخراب، ففي “روزانا”-الأغنية الحلبية الشهيرة- يدخل المكان، ليكون في خدمة الحكاية لا العكس –رؤية رب الأسرة لمنزله الذي عاد إليه وهو يأمل وجوده، كان من أجمل المشاهد التي صنعها الكادر، ومن أكثرها تأثيرا بالنفس لأي مشاهد سوري رأى ما رأى-أيضا انتقاء الممثل المناسب للشخصية المناسبة، المخرج كان موفقا لأبعد حدّ في هذا، مزاوجا هذه المرة بين الخبرة التي يحملها جيل المخضرمين من الفنانين، وبين الاندفاع وحب الارتقاء بفن الأداء الذي قدمه الجيل الشاب الذين ضمهم العمل؛ أماكن التصوير لم تخرج شبرا من الجغرافية السورية، فالحكاية إذا في مكانها الطبيعي، ومن المكان الطبيعي، تجيء الشخصية الملائمة، وهذا ما يفوت الكثير من الأعمال الدرامية التي تهمل تفصيلا يوازي حجم فيل في غرفة، ودون مبرر.
القصة تمشي بالتدريج، دون مزيد حشو، والسينوغرافيا عموما جاءت متناسبة ونوع القصة “اجتماعي حروب” لون الخلفية، المتغير بين الرمادي الفاتح في حالة الخطوب، والأصفر الشاحب أو “الكريمي” في بقية الحالات، أيضا وضع المشاهد في مقارنة لونية رمزية، لها إسقاطاتها المعروفة، باعتبارها من الخيارات السائدة مؤخرا كحل إخراجي، لمعضلة الزمن في الدراما؛ الموسيقى لم تلق بكاهلها على الانتقال السلس بين المشهد والآخر، والأهم، أن الحكاية بذاتها معمولة للجمهور المحلي، لأن رسالة العمل ومضمونه، تنطلق من قناعة أن كل عالمي يبدأ من عتبة البيت، أيضا المعادلة التي لم يفهمها جماعة “النجوم العالميين”؛ لا” أوفرة” لا تحتملها الحكاية ولا مزاحمة بين الشخصيات على البطولة، المحصورة في “بسام كوسا” فهو من تنطبق عليه كل صفات البطل، لكن الجميع يريد إظهار أفضل ما لديه، فجاء رتم الأداء، منسجما مع باقي تفاصيل القصة، ومع طبيعة الشخصية نفسها.
أيضا من الأعمال التي كما كان متوقعا توجهها إلى قمة المتابعة الجماهيرية، هناك “فوضى” حسن سامي يوسف، نجيب نصير-سمير حسين-، خصوصا وأن عودة كل من الكاتبين المخضرمين، كانت منتظرة من جمهور، يأمل أن يرى ما يرقى لعملهما المشترك في “الانتظار”، أيضا الظروف الصعبة التي رافقت العمل، من تغيير للمخرج في اللحظات الأخيرة، وتأجيل في العمل، كل هذا ساهم في خلق حركة دعائية للعمل، جعلت من متابعته ولو بدافع الفضول إن كان حقا ينتهي في الحلقة السابعة عشرة، كما أعلن المخرج الأول له، أم أن إيصال حلقاته حتى الثلاثين دون حشو بلا طائل لمشاهد بأكملها تبدأ من نهوض الشخصية من النوم، حتى عودتها إليه، يستطيع فعله مخرج كـ “سمير حسين”؟ هذا ما ننتظره.
“ترجمان الأشواق” الذي لم يجد طريقه للعرض، بعد بيان غير واضح وبلا أي مبررات ، كان من الأعمال التي يُعول عليها في أن تكون من الروافع الدرامية المحلية لهذا الموسم، المنع الذي ترافق وحملة شعبية على وسائل السوشال ميديا ووسائل التواصل الاجتماعي لوقف القرار، لم يفلح بذلك، لكن المنع تغير إلى تأجيل، وربما يتم العرض في أوقات لا تقل أهمية عن الموسم الرمضاني، أوقات لا يتم الاعتناء بها، وكأن الدراما التلفزيونية، هي لهذا الشهر فقط، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
“الغريب” –عبد المجيد حيدر- محمد زهير رجب- الذي يؤدي بطولته القدير “رشيد عساف” ينأى بنفسه عن كل مشاكل المرحلة، وكأنه منفصل عن الواقع نهائيا، وهو حتى اللحظة من الأعمال المُتابعة على “منيو” الدراما العائلية السورية، باعتباره من الكلاسيكيات في ثيمته، صراع الخير والشر، جولات هذا وصولات ذاك، وإن كان صوت الحق هنا خافتا كما هي عادته، حتى يتعملق إزاء ما يعتريه من أهوال، فيعود لينتصر، كما هو متوقع طبعا!.
أما حاليا فالصدارة ل “روزانا” وهنا الحديث عن الأعمال الدرامية التي تحترم المشاهد، لا تلك التي ترضى بها الزوجة أن يخونها زوجها مع عشيقته النجمة لأجل حفنة من المال، ويتابع كلاهما بشكل عادي حياته وكأن لا شيء يحدث، وهكذا تصبح الخيانة جميلة وشرعية، وشقراء على فم سمكة.
تمّام علي بركات